ظهرت عند بعض الجماعات المتطرفة في السنوات الأخيرة مفاهيم خاطئة عن الوطن والمواطنة، فهذه الجماعات – للأسف – لا تعترف بالأوطان ولا بالحكومات ولا بالأنظمة السياسية، فهي تعتبر الأوطان أوثاناً، ولذلك فإنها تستبيح كل شيء في سبيل تحقيق أهدافها، فالمال العام لديها فيء وغنيمة، وجنود الأمن والجيش هم – من وجهة نظرهم – حماة للطواغيت يجوز قتلهم وتعذيبهم، وهذا المفهوم الأممي عند هذه الجماعات هو الذي شجع الكثيرين من صغار السن في الانخراط بهذه الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«التكفير والهجرة».

فتنظيم «داعش» هو تنظيم يؤمن «بالجهاد» ورؤى الخوارج ويدعو إلى عودة الخلافة الإسلامية، ولذلك قسموا الوطن العربي إلى ولايات كولاية العراق وولاية الشام وولاية شمال أفريقيا وزعيم هذه الجماعة هو أبو بكر البغدادي الذي قتلته القوات الأمريكية منذ سنوات بعد أن وشت بمكان وجوده الحكومة العراقية.

وجبهة النصرة أو جبهة فتح الشام أُسست عام 2011 في سوريا خلال الحرب الأهلية السورية، وأصبحت فيما بعد في غضون أشهر من أبرز قوى المعارضة المسلحة لنظام بشار الأسد لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال. وقد تبنت هذه الجبهة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق. وكانت ذراعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، وقد ربطتها تقارير استخبارية أمريكية بتنظيم القاعدة في العراق، ودعت الجبهة في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 يناير 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري.

وهي تنتمي أيضاً إلى الفكر الجهادي، وقد نمت بسرعة وكان الهدف من تشكيلها محاربة النظام السوري الذي يقوده بشار الأسد، وقد قامت بعدة عمليات نوعية ضد الجيش السوري النظامي منها مهاجمة مبنى هيئة الأركان ومهاجمة وزارة الداخلية السورية، وزعيمها أبو محمد الجولاني، ومعظم أعضائها من السوريين، وإن كان قد دخلته عناصر من جنسيات أخرى متنوعة.

أما جماعة التكفير والهجرة فهي أنشئت في البداية داخل السجون المصرية، وبعد إطلاق سراح أفرادها تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلاب الجامعات.. ومن أفكارها تكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها، وتكفير الحكام لعدم حكمهم بشرع الله، وتكفير المحكومين لرضاهم بهؤلاء الحكام، وتكفير العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام، كما أن «الهجرة» هي العنصر الثاني في منهجهم ويقصد بها اعتزال الجماعات الإسلامية الأخرى وهجرتهم هجرة مكانية وشعورية واعتزال معابدهم – أي مساجدهم – تحت حكم العلمانيين.

فهذه الجماعات المتطرفة التي خرجت من عباءة القاعدة وأصبحت أكثر تطرفاً منها قد شوهت صورة الإسلام خاصة بعد الإعدامات التي قامت بها «داعش»، وجزهم لرؤوس خصومهم وقيامهم بحرقهم وشيّهم بالنار ونشر كل تلك الفظائع بالفيديو على العالم أجمع.

لقد أسقطت تلك الجماعات من قاموسها مفهوم الوطن والمواطنة، وأصبح مفهومها أن الوطنية جاهلية، ولم يتبقَ عند أتباعها حرمة للدولة والوطن أو اعتراف بالحدود والهوية والسيادة التي هي أساس من أسس العلاقات الدولية اليوم.