تسعى وزارتا الدفاع في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى "تخضير الجيش"، أي جعل قدراته اللوجستية مراعية للبيئة عبر خفض انبعاثات الكربون لتصبح محايدة بحلول عام 2050، وجعلها كذلك متكيفة مع عوامل تغير المناخ المتوقعة.

لكن وفقاً لمجلة "فورين بوليسي"، تسود مخاوف بين خبراء من أن يؤدي هذا الهدف، رغم جوهريته، إلى إضعاف الجيشين والتأثير في قدراتهما أمام الصين.

كيفية "تخضير الجيش"



وفق المجلة الأميركية، تضع الحكومة البريطانية نصب عينها هدف خفض الانبعاثات بنسبة 80% تقريباً خلال العقد ونصف العقد المقبل.

ويرى مسؤولو التخطيط العسكري في الجيش البريطاني، أن هذا "الهدف الأخضر" يتحقق من خلال سفر القوات إلى ساحة المعركة في مدرعات تعمل بالبطاريات، ونشر طائرات وسفن ومركبات عسكرية تعمل بأشعة الشمس والوقود المستدام.

وفي الولايات المتحدة، يعتقد البعض أن التغييرات التي يشهدها العالم بالفعل في المناخ، من ذوبان القمم الجليدية إلى تصاعد حرائق الغابات، تشير إلى حاجة البنتاغون للاستعداد.

ويقول بعض المسؤولين السابقين، بحسب "فورين بوليسي"، إن المطلوب هو بمثابة ثورة صناعية عسكرية للتحضير لمناخ المستقبل.

وبناء عليه، يحاول المسؤولون الأميركيون إدخال المناخ في استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022. وبدأ الأمر بالفعل من خلال التركيز على إدراج مخاطر التغير المناخي في سيناريوهات محاكاة الحرب، مثل دراسة كيف يمكن أن تتعرض المعارك الأميركية المحتملة في القطب الشمالي وآسيا ومهام مكافحة الإرهاب في إفريقيا للخطر مع ارتفاع درجات الحرارة، تماماً كما تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ ارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير والرياح الموسمية.

وأصدر البنتاغون في سبتمبر، أداة تقييم مناخية مصممة لتقييم كيفية تجهيز القواعد العسكرية للتهديد، كما يبحث في كيفية الحفاظ على أنظمة الأسلحة التي قد لا تعمل بشكل جيد في درجات الحرارة المرتفعة.

"هدف ثمين"

ووفقاً لـ"فورين بوليسي"، يدرج جانبا المحيط الأطلسي هدف "تخضير الجيش" ضمن الميزانية المالية السنوية.

وفي الآونة الأخيرة، قدّم ذراع الابتكار الدفاعي في وزارة الدفاع البريطانية 6 ملايين جنيه إسترليني (8.5 مليون دولار) لاستكشاف خيارات مستدامة لتوليد الطاقة والتخلص من الوقود والزيوت، وفق ما نقلته المجلة عن ناطق باسم الوزارة.

وفي الولايات المتحدة، حددت الميزانية الأولى التي أصدرها الرئيس جو بايدن الجمعة الماضي، مبلغ 617 مليون دولار تُصرف في استثمارات جديدة للتخفيف من آثار البنتاغون على المناخ، مع تركيز أكثر من 40% من الأموال على جعل القواعد الأميركية أكثر مقاومة لاضطرابات الطقس الشديدة.

وخططت ميزانية بايدن أيضاً لإنفاق قرابة 200 مليون دولار على نماذج أولية لتقنيات أسلحة أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري، و153 مليون دولار أخرى لتحسين كفاءة الطاقة للطائرات والسفن والمركبات الموجودة في الخدمة، من أجل خفض الانبعاثات الكربونية، كجزء من جهود الولايات المتحدة لتقليل التلوث بنسبة 50 إلى 52% خلال العقد المقبل.

وكانت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية ذكرت في مارس الماضي، أن البنتاغون يأمل بإجبار المركبات غير القتالية على التحول إلى الكهرباء بحلول عام 2030.

مخاوف تأثر القوة

وبحسب "فورين بوليسي"، تساور الشكوك العديد من الخبراء بشأن مدى قدرة "الجيش الأخضر" على الجمع بين هدفه البيئي ودوره الأساسي المتمثل بالدفاع وخوض الحروب، في ظل تغير مصادر طاقته ومدى سرعته على التأقلم معها.

وقال اللفتنانت جنرال ريتشارد نوجي، قائد فرع "تغير المناخ والاستدامة" في وزارة الدفاع البريطانية، للمجلة: "يجب أن يكون هذا بشأن تعزيز القدرة العسكرية، أو على الأقل عدم تقليصها. أي شيء يقلل من القدرة العسكرية ليس جيداً. إذا حللتَ بالمرتبة الثانية في الحرب وكنتَ أكثر جيش خضاراً على هذا الكوكب، فإنك لا تزال تأتي في المرتبة الثانية في الحرب. ونحن لا نتقاضى أجراً للقيام بذلك، بل نتقاضى أجراً لنحل في المرتبة الأولى".

كذلك، يشعر الجمهوريون في الكونغرس الأميركي بالقلق من أن التوجه بسرعة نحو جيش أكثر اخضراراً سيبطئ خروج الأسلحة من خط الإنتاج، ويجعل وزارة الدفاع أكثر تدخلاً في القضايا السياسية المحلية للولايات المتحدة.

وعبّر جيم إنهوفي، أبرز جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، عن مخاوفه من تأثر قدرات الجيش، قائلاً في بيان إنه يخطط لاستجواب قادة البنتاغون بشأن كيف يمكن أن يؤثر تحويل التركيز إلى المناخ على تركيز وزارة الدفاع في وظيفتها الأولى المتمثلة بخوض الحروب.

وأضاف إينهوفي: "يجب التأكد من أن تركيز الجيش سيبقى منصبّاً على الاستعداد والقدرات العملياتية، لا على الأمور الملائمة لمكتب جون كيري"، أي المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون المناخ الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي المنافس.

خطر الاكتساح الصيني

وبحسب "فورين بوليسي"، يرى البعض القضية من منظور أكثر حدة، ويبدي قلقاً من العجز عن مضاهاة قوة البحرية الصينية، التي تعدّ الأكبر في العالم حالياً، والتي تقوم بتوسيع حضورها عبر المحيطين الهندي والهادئ.

وقال مسؤول دفاعي بارز في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب: "إذا كنت تجعل البحرية الأميركية محايدة للكربون في إطار زمني مضغوط، فلن يكون لديك بحرية أميركية"، بمعنى خسارة قوتها.