تزدهر صناعة الحديد والصلب بصورة غير مسبوقة في ظل تعافى الاقتصاد العالمي من الوباء، وأصبح الجميع يشعر بالآثار المتتالية لتأثير التعافي على صناعة الصلب بدءاً من بناة المنازل إلى صانعي الأجهزة.

يشهد الحديد طلبا محموما للغاية بصورة دفعت المصانع الأمريكية إلى وقف تلقي طلبات العملاء في الأسابيع الأخيرة، وفقًا لما ذكره دان دي ماري، مدير المبيعات في شركة "هيدتمان ستيل برودتكس" Heidtman Steel Products Inc، الذي قال "إن المصانع قد لا تبدأ في تلقي طلبات جديدة حتى أواخر الصيف حتى تتمكن من الوفاء بالتسليمات المتراكمة".

تشير تحركات منتجي الخام إلى المزيد من عقبات التسليم وقد يكون ترقباً لارتفاع أسعار سلعة تمثل المفتاح لمجموعة واسعة من الصناعات في جميع أنحاء العالم في ظل اهتزاز الاقتصاد العالمي بالفعل بسبب نقص الإمدادات ومخاوف التضخم حيث يصل نصيب استخدام الفرد سنوياً إلى 500 رطل من الصلب شاملاً كافة احتياجاته بدءاً من مشابك الورق والسيارات حتى ناطحات السحاب.



تضاعفت أسعار الصلب في الولايات المتحدة ثلاث مرات في 12 شهرا، حيث فاجأ الانتعاش الاقتصادي الأسرع من المتوقع المنتجين، بينما وصلت العقود الآجلة في الصين إلى مستوى قياسي بعد أن تعهدت السلطات بخفض الإنتاج ضمن محاولة للسيطرة على الانبعاثات.

ارتفعت أسعار الصلب كذلك في أوروبا، فيما قد ترتفع الواردات بمقدار محدود، حتى لو رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب.

قال فيل جيبس، المحلل في "كيبانس كابيتال ماركتس" في كليفلاند، في مقابلة عبر الهاتف: "لم أرَ من قبل حدة وسرعة تلك التحركات رغم ما عاصرته من تحركات جنونية خلال عملي بهذا المجال في تغطية السلع لما يقرب من 15 عاما".

في حين ارتفعت أسعار أغلب السلع الأساسية، لكن قفزة الصلب الأمريكي 220% العام الماضي تتفوق على ارتفاعات السلع الأخرى مثل النحاس والنفط الخام.

ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز لشركات الصلب، والذي يتضمن شركات مثل "نكور كورب" Nucor Corp وكليفلاند كليفس" Cleveland-Cliffs Inc، و"يو إس ستيل" بنسبة 69% في عام 2021 ليسجل أفضل أداء خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام.

بدا أن الانتعاش لا يمكن تصوره للمسؤولين التنفيذيين في الصلب قبل 10 أشهر فقط، الذين توقعوا عدم عودة الطلب لمستويات ما قبل الجائحة قبل عام 2022 على الأقل. ولكن الانتعاش السريع واستعادة الإنتاج التدريجي لمصانع الصلب أدى إلى استنزاف المخزونات التي كانت منخفضة بالفعل خلال ذروة الوباء.

ويشابه ذلك ما حدث للخشب المرتبط أيضاً بسوق الإسكان، وهو سوق تعرض فيه المنتجون للضغوط وسط ارتفاع مفاجئ في الطلب على المساكن، إذ يمثل الخشب أحد المواد القليلة التي تحقق مكاسب مماثلة للصلب وهو ما اضطر بناة المنازل إلى حساب تأثير إمدادات الصلب على صناعتهم.

نقص الأجهزة المنزلية

قال كارل هاريس، الذي أمضى 36 عامًا في بناء المنازل، إنه يرى تأخيرات لمدة شهرين في تسليم الثلاجات، وغسالات الملابس والأطباق. وقال إن أوقات التسليم التي تتراوح عادة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تصل الآن إلى نصف عام في أجزاء كثيرة من البلاد.

يعني هذا التأخير أن هاريس لا يمكنه تسليم المنازل التي يعمل عليها بسبب عدم الانتهاء من تثبيت مجموعة الأجهزة المنزلية للمنزل الفارغ المكون من غرفتي نوم في نيوتن، خارج ويتشيتا، كانساس، على الرغم من جاهزية باقي المنزل. وقال هاريس إن البناة الآخرين في المنطقة يواجهون أيضًا مشكلة في الحصول على أدوات السباكة، والتي يجب أن تكون في مكانها قبل إصدار شهادة الإشغال.

قال هاريس، الشريك الإداري في "هاريس هومز" Harris Homes في ويتشيتا في مكالمة هاتفية: "يتم استخدام الكثير من الصلب في الأجهزة، لذلك رأينا تراكمًا كبيرًا في الحصول على بعض الأجهزة حتى نتمكن من تسليم هذه المنازل. نشهد نقصاً كبيراً".

كذلك تزداد تكلفة الحفر في قطاع النفط الصخري، حيث يؤدي ارتفاع أسعار الصلب والأسمنت والإمدادات والخدمات الأخرى إلى ارتفاع تكاليف استكشاف النفط، وفقاً لـ "سيتي غروب"، التي أوضحت أنه من الممكن أن ترتفع أسعار الأنابيب المصنوعة من الصلب المستخدمة في الآبار الجديدة بنحو 50% في عام 2021.

قال المسؤولون التنفيذيون في شركة "فورد موتور" في مؤتمر عبر الهاتف لمناقشة نتائج الربع الأول إن الشركة شهدت زيادة في أسعار السلع الأساسية للألمنيوم والفولاذ والمعادن النفيسة. وتوقع جون تي لولر، كبير المسؤولين الماليين في شركة "فورد" زيادة بنحو 2.5 مليار دولار في تكلفة السلع من الربع الثاني حتى الرابع وقال: "سوف نتضرر إذا استمر ذلك لبقية العام".

مزيد من الإمدادات

هناك بعض الدلائل على إمكانية انحسار أزمة الإمدادات، حيث من المتوقع أن تنتج شركات صناعة الصلب الأمريكية حوالي 4.6 مليون طن سنوياً من الطاقة الإنتاجية بحلول نهاية عام 2022، بزيادة تبلغ حوالي 4% عن المستويات الحالية. كذلك، أعطى ارتفاع الأسعار إدارة الرئيس جو بايدن سببًا للنظر في إزالة التعريفات الجمركية التي تم فرضها في عهد ترمب على الصلب المستورد من الاتحاد الأوروبي.

وفي الصين، حيث أكبر مستهلك ومنتج للصلب في العالم، كررت الحكومة مراراً التزامها بكبح الإنتاج القياسي منذ أواخر العام الماضي. ومع ذلك، فإن مصانع البلاد تنتج كميات غير مسبوقة من الصلب. ولكن في الوقت الحالي، يتعين على عملاء الصلب الذين يبحثون عن إمدادات فورية دفع المزيد أو الانتظار لفترة أطول.

قال دي ماري في مقابلة: "ليس هناك الكثير من التسليمات الفورية فقد قام منتجو الصلب بتقييد الطلبات الخاصة بهم، ووضع حد أقصى لعدد الطلبات حتى يتمكنوا من الوفاء بالالتزامات".