وليد صبري




* جمهورية "ولاية الفقيه".. طموحات ووعود من يحكم بما لا يملك


* تصويت الإيرانيين اختيار بين السيء والأسوأ

* الأقليات خارج نطاق الترشح للانتخابات

* استطلاعات: 36% أقل نسبة مشاركة في تاريخ إيران

* الأزمة الاقتصادية الأصعب على مدار 4 عقود

* 39 % التضخم نتيجة العقوبات المتجددة

* العقوبات أخرجت طهران من النظام المصرفي العالمي

* إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثراً بـ"كورونا"

* 57 مليون شخص يحق لهم المشاركة بالاقتراع

تنطلق الجمعة المقبل انتخابات الرئاسة الإيرانية على وقع تحديات وأزمات كبيرة، أبرزها، اتساع رقعة الغضب على السلطات الحاكمة بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وفشل السلطات في الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد19)، الذي زاد من حجم المعاناة ورفع معدلات البطالة والفقر، والاحتقان الداخلي جراء الديكتاتورية التي يمارسها نظام ولاية الفقيه على مدار أكثر من 4 عقود منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران على يد آية الله روح الله الخميني، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وأزمة مفاوضات البرنامج النووي الإيراني التي تجرى في فيينا.

ويخوض 7 مرشحين، بينهم 5 من المحافظين المتشددين، الدورة الأولى الجمعة المقبل، وفي حال لم ينل أي مرشح الغالبية المطلقة، تجرى دورة اقتراع ثانية في 25 يونيو الجاري، بين المرشحين اللذين نالا العدد الأكبر من الأصوات.

والمرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية هم، رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي، ومدير مركز الأبحاث في مجلس الشورى الإيراني، علي رضا زاكاني، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، والنائب البرلماني عن مشهد، أمير حسين قاضي زاده هاشمي، وحاكم المصرف المركزي الإيراني السابق، عبد الناصر همتي، ونائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، والمحافظ السابق لأصفهان، محسن مهر علي زاده.

من جانبه، قال رئيس لجنة الانتخابات الإيرانية، علي أصغر أحمدي، إن نحو 57 مليون شخص يحق لهم المشاركة في الاقتراع بالانتخابات الرئاسية، من أصل عدد سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون نسمة.

ويرى مراقبون ومحللون أن النظام الإيراني يسعى للحفاظ على ما تبقى من شرعيته المعرضة للانهيار بين الإيرانيين من خلال حث المواطنين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، في حين ترى الغالبية العظمى من الشعب أن الانتخابات "تمت هندستها ونتائجها معروفة مسبقاً"، بفوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات، نظراً لأنه يعكس آراء المرشد الأعلى علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسة العامة للدولة.

وكشفت استطلاعات الرأي المحلية أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون 36%، وهي أقل نسبة مشاركة في تاريخ إيران.

وأظهرت الاستطلاعات الرأي الحكومية والحملات على مواقع التواصل الاجتماعي أن الإيرانيين محبطون وساخطون على حكامهم، وسط تصاعد دعوات لمقاطعة الانتخابات، لإيمانهم بأنها لن تغير شيئا. وقال تقرير نشره موقع راديو "فاردا" إنه بالنسبة للعديد من الإيرانيين فإن التصويت في الانتخابات يعد اختيارا بين السيء أو الأسوأ.

والجدير بالذكر أن المرشد الأعلى يأتي على رأس بنية السلطة، ويتحكم في كل القرارات الرئيسة في النظام بصورة إما بصورة مباشرة أو عبر شبكة من ممثليه ومن يعينهم بما ذلك "الحرس الثوري"، وخدمات القضاء والاستخبارات. وتم اختيار المرشد الأعلى الحالي آية الله خامنئي بعد وفاة المرشد السابق آية الله روح الله الخميني الذي توفي عام 1989. ويتمتع المرشد الأعلى وحده بسلطة إعلان الحرب أو السلام، ويملك سلطات تعيين رؤساء الهيئات القضائية والإذاعة الرسمية وشبكات التلفزيون وقادة الجيش النظامي و"الحرس الثوري". وبحسب الدستور الإيراني، يقوم المرشد الأعلى بوضع والإشراف على السياسات العامة للدولة، ويحدد طبيعة وتوجهات السياسات الداخلية والخارجية.

أما الرئيس، فيعد، ثاني أعلى سلطة في إيران، ويضطلع بمسؤولية إدارة السياسات الاقتصادية والبرامج الاجتماعية الداخلية ووضع خطط التعليم وبعض الأعمال العامة.

ويرأس الرئيس مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، ويقوم بتعيين وزير الاستخبارات، إلى جانب الوزراء. لكن على الصعيد العملي، فالمرشد الأعلى هو صاحب القول الفصل في كل شؤون الأمن الداخلية والخارجية. ويمثل الرئيس الدولة في المحافل والمؤتمرات الدولية والمفاوضات، لكن المرشد الأعلى هو من يضع سياسات الدفاع والخارجية الأساسية. وهناك ثمانية نواب يعملون تحت قيادة الرئيس، إضافة إلى 21 وزيرا ينبغي أن يصوت عليهم البرلمان بشكل سري.

وشهدت أروقة الانتخابات الحالية سجالات كبيرة، خاصة مع دعم المتشددين واستبعاد ما يسمى بـ"الإصلاحيين"، من سباق الرئاسة، حيث منع مجلس صيانة الدستور رئيس البرلمان السابق واثنين من الإصلاحيين البارزين من الترشح للانتخابات. وفي المقابل، مهد المجلس الطريق، لسبعة مرشحين معظمهم من المتشددين من بينهم رئيس القضاء إبراهيم رئيسي. ومُنع علي لاريجاني، الذي شغل منصب رئيس البرلمان الإيراني لمدة 12 عاماً، من الترشح لمنصب الرئيس من قبل المجلس وهو يتألف من لجنة من الفقهاء ورجال الدين المكلفين "بفحص القوانين والمواطنين من أجل ضمان تحقيق المثل العليا للثورة الإسلامية عام 1979".

كما تم استبعاد أبرز الإصلاحيين، إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس حسن روحاني، ومصطفى تاج زاده، الذي كان مسؤولاً في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي شغل منصب الرئيس من 1997 إلى 2005. وتقدم نحو 596 شخصا بطلب ترشح للرئاسة، لكن مجلس صيانة الدستور وافق على فحص ما لا يزيد عن 40 منهم ورفض الآخرين.

ويصف المراقبون للانتخابات الوضع في ايران بان وعود المرشحين وطموحاتهم نحو تطبيق برامجهم تبدو وعود وطموحات لمن يحكم بما لا يملك تنفيذه أو إقراره، فطبقاً للدستور الإيرانى الحاكم الفعلى هو المرشد الأعلى اية الله على خامنئي، هو وحده الذي يوافق على المرشحين للرئاسة او المناصب العليا أو يمكنه أن يلغي نتائج الانتخابات، ويقر إجراءات تحسين الاقتصاد، ويوافق على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، والإتفاق حول الملف النووى الإيرانى، لا رؤساء الجمهورية الإيرانية.

وفيما يتعلق شروط الترشح للرئاسة، فإن مجلس صيانة الدستور هو المكلف بالمصادقة على قرارات البرلمان وتفسير الدستور، والمكلف أيضاً بالموافقة على الترشيحات للانتخابات الرئاسية.

وقالت تقارير إن شروط الترشح للرئاسة تتضمن أن يكون عمر المرشح بين 40 عاماً و75 عاماً وأن يكون حائزاً على شهادة جامعية.

كما يتعين أن يتمتع المرشحون بخبرة وطنية على رأس هيئة رسمية "الرئاسة أو نيابة الرئاسة أو وزارة أو القضاء أو الجيش أو الإذاعة والتلفزيون أو مجلس بلدي أو محافظة"، وان يكون المرشح إيرانيا ومواليا للجمهورية الإسلامية وشيعيا، ولم يتطرق القانون إلى مسألة المرأة، ويبقى اهل السنة والاقليات في ايران خارج نطاق الترشح لتلك الانتخابات.

ومع انطلاق الانتخابات، تطرح الكثير من الأسئلة، فهل القضية مجرد تصويت؟ وإذا كانت كذلك فهل ستحدث فرقاً؟ وانقسم المحللون بين رأيين الاول يرى ان الانتخابات لا تشكل اهمية لان هرم القيادة المتمثلة بالمؤسسة الدينية هو القوة الفعلية، فلا يهم من يفوز بمنصب الرئاسة في إيران فخامنئي ما زال يشرف على الجيش والسياسة الخارجية، وكلمة الفصل في شأن الملف النووي تعود له. أمام الرأي الثاني فيذهب إلى أن الانتخابات مهمة لأن المرشد الأعلى، أصبح طاعناً في السن، فالرئيس القادم اذا ما بقي لـ 8 سنوات في الحكم فإنه ربما يشهد الانتقال الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية الإسلامية وهو وفاة المرشد الأعلى. والرئيس لديه بعض السلطات فالدستور يشدّد على ان الرئيس يحتل المرتبة الثانية في السلطة بعد المرشد الأعلى.

وبحسب وكالة فرانس برس، تواجه إيران أزمة اقتصادية واجتماعية صعبة تعود بشكل أساسي للعقوبات الأمريكية القاسية المفروضة عليها، ما يجعل من تحسين وضع الاقتصاد الوطني أولوية على جدول الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، فيما يؤكد مراقبون ومحللون أن الصعوبات الاقتصادية الراهنة هي الأصعب منذ قيام الجمهورية عام 1979، نظراً لانهيار القدرة الشرائية لجزء كبير من الإيرانيين. ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 6% في 2018، وبأكثر من 6.8 % في العام التالي. وعلى رغم عودته إلى تسجيل مستوى إيجابي في 2020، لا يزال الناتج المحلي عند مستويات تناهز التي عرفها في 2015.

وإضافة إلى النمو، تواجه إيران مشكلة التضخم، فبعدما تمكنت حكومة الرئيس حسن روحاني من خفضه إلى ما دون 10 %، تسببت العقوبات المتجددة بارتفاع كبير في نسبة التضخم، والتي يتوقع أن تبلغ هذا العام 39 %، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

وأشارت "فرانس برس"، إلى أن الكثير من الطلاب اضطروا للتخلي عن متابعة تعليمهم العالي خارج البلاد نظرا لافتقادهم الموارد المالية اللازمة. كذلك، لجأت عائلات تأثرت بأزمة البطالة، الى التقشف في الكثير من المصاريف الأساسية، والاعتماد على مداخيل بسيطة توفرها وظائف ظرفية. وأدت العقوبات إلى دفع المستثمرين الأجانب للخروج من السوق الإيرانية، والتردد بشكل كبير قبل ابرام أي عمليات تجارية على صلة بإيران، كما أنها أخرجت إيران من النظام المصرفي العالمي، وأفقدتها غالبية مستوردي صادراتها النفطية، ما حرمها من عائدات مالية أساسية.

وفيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، يستبعد المحللون أن تكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية، حتى في حال الفوز المرجح للمحافظ المتشدد، ابراهيم رئيسي، تأثير يذكر على المفاوضات الجارية مع الدول الكبرى لإحياء الاتفاق حول برنامج طهران النووي، والذي أجراه الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني عام 2015، مع 6 قوى كبرى "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا"، بشأن برنامج إيران النووي، بعد أعوام من التوتر والمفاوضات الشاقة.

وتترافق الانتخابات مع خوض طهران وأطراف الاتفاق منذ مطلع أبريل الماضي، مباحثات في فيينا سعيا لإحيائه بعد الانسحاب الأمريكي منه عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وتشارك الولايات المتحدة التي أبدى رئيسها الجديد جو بايدن استعداده للعودة إلى الاتفاق، بشكل غير مباشر في المباحثات ومن دون التواصل مباشرة مع وفد إيران.

وفي دراسة نشرت حديثاً، رأى الخبير الاقتصادي الإيراني جواد صالحي أصفهاني أنه "منذ 2011، تراجع نحو 8 ملايين شخص من الطبقة الوسطى الى الطبقة الوسطى الدنيا، ونحو أربعة ملايين التحقوا بالطبقات الفقيرة".

وما زاد الطين بلة، جائحة كورونا (كوفيد19)، حيث تأثرت إيران بشكل كبير بتلك الجائحة، حيث تعد إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بالأزمة، وهي أعلنت رسمياً وفاة أكثر من 81 ألف شخص بسببه.