عندما أتكلم عن طفولتي أجد أن هناك حنيناً يشدني لتلك الفترة وبالتحديد يراودني هذا الإحساس كلما رأيت أطفالي يكبرون أمام عيني بوجود أشياء مغايرة عن تلك التي تربينا عليها. لا أنتقد هذا الجيل فهو جيل محظوظ يمتاز بإحاطة العديد من وسائل التكنولوجيا السريعة حوله ويتمتع بحصوله على المعلومة في أي وقت وبدون مشقة وذلك بضغطة زر على جهازه الذكي، ولكن كيف لي أن أقنع طفلي وهو من جيل التطور التكنولوجي السريع أن يتابع أفلام الكارتون كما كنا نتابعها في يوم ما وبكل شغف وحب وبالذات أنها اليوم خاوية المحتوى وعديمة القيم والمعاني.

أطفالنا اليوم تتوفر عندهم الأجهزة الحديثة ويستطيعون الدخول إلى عالمهم الافتراضي التكنولوجي بحثاً عن أي معلومة أو أي لعبة ويمكنهم مشاهدة الأفلام في أي وقت كان ولكن هل ما يجدونه في وسائل التكنولوجيا يحثهم على القيم والعلم والمعرفة أم يحثهم على العنف والإثارة بعيداً تماماً كما كنا في تلك الأيام التي ننتظر فيها أفلام الكارتون في تمام الساعة الرابعة عصراً. أنا وإخوتي نترقب أفلام الكارتون أمام جهاز تلفاز واحد للبيت كله. «في قصص الشعوب، طرائف لا تنتهي، وعالم حلو بهي يسكن في القلوب في قصص الشعوب»، نعم كنت أنتظر مسلسل الرسوم المتحركة للأطفال، «حكايات عالمية»، كل يوم لأغني مع صوت أصالة العذب مقدمة المسلسل ولأتابع أحداث قصص شعوب عالمية وفلكلوراً وتراثاً عالمياً، وأسافر مع تلك الحكايات بخيال طفلة، تتعلم بشغف الكلمات والجمل الفصيحة، فتعلمت حقاً وأنا أشاهد تلك الحلقات على سبيل المثال، أن جمع بيض بيوض وتعلمت حين يقال «إنه لم يشرع بالمشي» أي لم يبدأ بالمشي وبأن معنى أن الأمور تسير على ما يرام أي كانت الأمور على أجمل وجه، هكذا كنت أفكر وأنا طفلة، فعمَّ أحدثكم بالضبط؟ عن شعوري الطائر وأنا أشاهد تلك القصص أم عن جمال الصوت والدبلجة أم عن فصاحة العبارات وجمال لغتنا العربية؟! «حكايات عالمية»، «افتح يا سمسم»، «ليدي أوسكار»، «سلامتك»، «إلى الشباب مع التحية» وغيرها من البرامج والمسلسلات المتنوعة جاءت حصيلة مشروع تعاوني إعلامي ثقافي ضخم مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي متمثل في مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي بدأ بمسمى «بيت الإعلام الخليجي» حتى تم تقليص إنتاجه وتقليص دوره اليوم!

إنتاج تلفزيوني وإذاعي ضخم ومحتوى لوسائل التواصل الاجتماعي فعّال تربى عليه جيل، برامج أطفال رائعة إلى جانب الكثير من البرامج الوثائقية والدرامية والثقافية والبيئية والإسلامية! اليوم نفتقد شعاركم وهو طائر النورس الذي يستوطن ساحل الخليج كونه عاملاً مشتركاً لدول الخليج في البيئة البرية والبحرية والذي يتنقل بينها دون هوية، ونفتقد موسيقى المقدمة وهو «الياهول» المستلهم إيقاعه من النهمة التراثية البحرية، والأهم نفتقد محتوى وإبداع برامجكم، مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية قدمتم الكثير. عودوا فأين أنتم؟ أطفالنا في أمس الحاجة إليكم!