وكالات


في استباق لقمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في بروكسل المقرر عقدها، الاثنين، قال البيت الأبيض إن دول الحلف ستطلق مجموعة مبادرات "طموحة" لضمان الحفاظ على أمن الحلف حتى عام 2030، وما

بعده، مع تركيز على الصين وروسيا باعتبارهما التحديين الأبرز.

وأوضح البيت الأبيض، بحسب وكالة "رويترز"، أن الأعضاء الثلاثين سيتفقون على مراجعة "المفهوم الاستراتيجي" للحلف الذي سيقود "نهجه في بيئة إستراتيجية متطورة تشمل السياسات والتصرفات العدائية لروسيا والتحديات التي تشكلها الصين لأمننا، وازدهارنا".


ستولتنبرغ: سياسة أقوى تجاه الصين

وبمعزل عن روسيا، التي تعد موضوعاً اعتيادياً في أجندات الحلف، فإن هذا النص الصريح من البيت الأبيض على الصين في مبادرة مرتقبة للناتو، يمثل تحولاً كبيراً في مسيرة الحلف وأهدافه الاستراتيجية والدفاعية.

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الأحد، دعوته لزعماء دول الحلف، عشية قمتهم في بروكسل، إلى وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين.

وقال ستولتنبرغ في مقابلة مع قناة "سي بي سي" الكندية، إن الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم وأكبر بحرية وتستثمر بشكل هائل في المعدات العسكرية الحديثة، وهذا "يؤثر على أمننا".

وأضاف: "الصين لا تشاركنا قيمنا. نرى ذلك في طريقة قمعها للاحتجاجات الديمقراطية في هونغ كونغ واضطهادها أقليات مثل الأويغور" في غرب الصين، وكذلك في استخدامها التكنولوجيا الحديثة لمراقبة سكانها "بطريقة غير مسبوقة".

وخلص ستولتنبرغ إلى أن كل هذا "يجعل من المهم لدول حلف شمال الأطلسي تطوير سياسة، وأيضا تعزيز سياستنا عندما يتعلق الأمر بالصين".

وأشار ستولتنبرغ إلى أن الصين "عندما يُقدم بلد ما على شيء لا يُعجبها، فإنها ترد بطريقة عدوانية". وأقر بأنه كانت هناك بعض "النقاشات الصعبة" بين دول الحلف خلال وجود دونالد ترمب في البيت الأبيض.

وغالباً ما اشتكى ترمب، من أنّ أعضاء الحلف الآخرين لا يدفعون نصيبهم العادل من الأعباء المالية المتعلّقة بالدفاع المشترك، إلى درجة أنه تحدث عن سحب بلاده من الحلف.

لكنّ ستولتنبرغ، قال: "الآن لدينا رئيس أميركي، الرئيس بايدن، ملتزم بشدة بحلف شمال الأطلسي وبأمن أوروبا ومستعد لزيادة الاستثمار في الحلف".

طيف كامل من التحديات

بوادر هذا التحول ظهرت قبل عامين في قمة الناتو بلندن 2019، عندما قال ستولتنبرغ إن على دول الحلف "أن تواجه حقيقة أن الصين باتت تقترب منا أكثر فأكثر" في إفريقيا، والقطب الشمالي، والفضاء الإلكتروني، وحتى في أوروبا.

وخلال ذلك الاجتماع، أورد الناتو لأول مرة في إعلانه الصين على أنها تمثل تهديداً استراتيجياً محتملاً، لافتاً إلى أن "النفوذ المتزايد للصين في السياسات الدولية يقدم فرصاً وتحديات، نحتاج إلى مواجهتها معاً كتحالف".

لكن ما طبيعة التحدي الذي تمثله الصين للناتو ودوله، على الرغم مما يبدو من تباعد جغرافي بين الجانبين، واختلاف مناطق النفوذ؟

يشير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي (سي إس آي إس)، إلى أن الصين تمثل طيفاً كاملاً من التحديات بالنسبة للناتو.

وقال المركز إنه على الرغم من أن الصين لا تمثل تهديداً عسكرياً مباشراً للناتو، فإن النفوذ المتنامي لبكين ودبلوماسيتها الواثقة في أوروبا، أدَّيا إلى تداعيات كبيرة على الأمن والاقتصاد عبر الأطلسي.

وأشار المركز إلى أن استثمارات الصين في مشاريع البنية التحتية الحيوية في أوروبا، ابتداءً بشبكات الاتصالات، وانتهاء بمنشآت الموانئ، قد تضعف قدرة الناتو على الاستجابة للأزمات الدولية دبلوماسياً، أو عسكرياً، إن لزم الأمر.

ووفقاً للمركز، فإنه إذا أقدم بعض الحلفاء في الناتو على إدراج معدات شركة "هواوي" في شبكاتهم للجيل الخامس، فإنه يمكن أن تثار الأسئلة بشأن سلامة هذه الشبكات، نظراً للعلاقة الوثيقة بين الشركة والحزب الشيوعي الصيني، وفق تعبيره.

كما أن سلاسل الإمداد العسكرية الحساسة للتحالف، قد تصبح معتمدة إلى حد كبير على الصين، كما حصل أخيراً في مقاتلات إف-35، وفقاً لما ذكره المركز.

النفوذ العسكري والتكنولوجي

وقال المركز إن النفوذ العسكري الصيني اقترب أكثر من المنطقة الأوروبية الأطلسية، وذلك مع تنفيذ البحريتين الصينية والروسية تدريبات عسكرية مشتركة في بحري المتوسط والبلطيق، في إشارة إلى ازدهار التعاون العسكري بين بكين وموسكو.

وبعيداً عن المنطقة الأوروبية الأطلسية، تعمل بكين، بحسب المركز، على تطوير قدرات عسكرية حديثة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى، وحاملات الطائرات، والغواصات النووية الهجومية، مع تداعيات أمنية محتملة بالنسبة للناتو، نظراً للمدى العالمي لهذه القدرات.

كما تستثمر الصين أيضاً في أسلحة الفضاء، التي قد تهدد، بحسب المركز، أياً من الأقمار الصناعية التابعة للناتو، وإضافة إلى ذلك فإنَّ دول الناتو تتعرض باستمرار لهجمات إليكترونية يشنها، كما يقول المركز الأميركي، قراصنة صينيون.

مخاطر الصراع الصيني الأميركي

توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، العضو الأبرز في الناتو، قد يلقي بظلال المواجهة والتصعيد على العلاقات بين الحلف وبكين.

ووفقاً لموقع "ديفينس نيوز" الأميركي، فإن ادعاءات السيادة الصينية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وتايوان، قد تقود إلى صراع غير مرغوب فيه بين واشنطن وبكين، وإذا حصل فإن الحلفاء في الضفة الأخرى من الأطلسي لن يكونوا بمأمن.

وأشار الموقع إلى أن أي حرب صينية-أميركية لن يتم احتواؤها إقليمياً، كما حصل في الحروب الأميركية السابقة في كوريا وفيتنام، وإنما ستمتد إلى أوروبا، حيث سيجد الحلفاء في الناتو أنفسهم أمام فرضية تفعيل المادة الخامسة للحلف المتعلقة بالدفاع الجماعي.

صعود الصين وانهيار الاتحاد السوفييتي

أقرَّ حلف الناتو عبر وثيقة أصدرها نوفمبر الماضي بعنوان "صعود الصين وتداعياته"، بجسامة التحدي الصيني، مشيراً إلى أن "الصعود السريع لبكين خلال الجزء الأخير من القرن العشرين، والعقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، يمثل تحولاً مفاهيمياً في الشؤون الدولية يمكن مقارنته في الضخامة بانهيار الاتحاد السوفييتي".

وعلى الرغم من تأكيد الناتو على أن المواجهة بين الصين والحلف "ليست أمراً مرغوباً فيه وليست حتمية"، فإنه حذَّر من أن "إخفاق التحالف في الاستعداد للصين، وإدارة التحدي الذي تمثله قد يجعل المواجهة أكثر احتمالاً مع مرور الوقت".

وتشير وثيقة الناتو إلى ضرورة تعديل الحلف لمفاهيمه الاستراتيجية، والتخطيط الدفاعي، والتدريب، وأولويات تطوير القدرات من أجل مواجهة المخاطر الصينية المتزايدة.

واقترحت الوثيقة تشارك المعلومات بين الحلفاء بشأن تقييم مخاطر الأنشطة الصينية، التي قد تكون لها تداعيات أمنية مباشرة على الناتو، مثل التدريبات الصينية الروسية العسكرية في منطقة بحر البلطيق.

كما اقترحت أيضاً إنشاء مكتب عسكري في منطقة المحيط الهادئ الهندي، لتسهيل تبادل المعلومات وتنسيق تدريبات الحلف وأنشطته في الإقليم.

ودعت إلى إنشاء "تحالف من الراغبين" لإجراء مهمات وتدريبات عسكرية، في بحر الصين الجنوبي لضمان حرية الملاحة في المنطقة، وطمأنة الشركاء الإقليميين للناتو، مؤكدة ضرورة أن يطور الحلف القدرات اللازمة لمراقبة التهديد الصيني، والتصدي له إن لزم الأمر.

التهديد الروسي

خلافاً للصين، تبدو روسيا تهديداً كلاسيكياً للناتو، فهي وريثة الإمبراطورية السوفيتية التي أنشئ التحالف أساساً لاحتوائها في منتصف القرن الماضي.

ومنذ ضم روسيا للقرم في 2014 شهدت العلاقات بين الجانبين تدهوراً، تعزَّز في السنوات الأخيرة مع الاتهامات الأميركية المتكررة لموسكو بالتدخل في الانتخابات، وشنِّ هجمات إلكترونية على مؤسسات حكومية وخاصة في الولايات المتحدة.

كما مثَّل التدخل الروسي في سوريا، والوجود المزعوم في ليبيا، نقطة أخرى شائكة في العلاقات، حيث تنظر موسكو إلى هذا الامتداد باعتباره محاولة لفك ما تعتبره تطويقاً من الناتو لها، فيما ينظر إليها الحلف كذريعة روسية لتوسيع نفوذ موسكو في مناطق جديدة.

وتنظر الولايات المتحدة بعين الريبة إلى التعاون العسكري بين روسيا ودول في الحلف، إذ انتقدت واشنطن مراراً أنقرة حليفتها في حلف شمال الأطلسي، بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي المتقدمة (إس-400) من روسيا، قائلة إنَّها تهدد دفاعات التحالف.

وأدى الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا في أواخر مارس الماضي إلى توتير العلاقات مع الحلف، إثر اتهام كييف لموسكو بمحاولة غزوها وتدميرها، قبل أن تقرر روسيا سحب قواتها.

كما أدى تسميم زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني، واعتقاله إلى تصعيد الخلافات بين موسكو من ناحية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.

وفي أواخر مايو الماضي أعلنت موسكو تشكيل 20 وحدة عسكرية جديدة في غرب البلاد للتصدي لما تقول إنه تهديد متنامٍ من الناتو.

وأشار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حينها، إلى العدد المتزايد من قاذفات القنابل الاستراتيجية الأميركية بالقرب من الحدود الروسية، ونشر السفن الحربية للناتو، إضافة إلى الدوريات الكبيرة لقوات التحالف بالقرب من الحدود، باعتبارها عوامل مبررة لقرار تشكيل القوة الجديدة، الذي يتوقع أن يستدعي رداً من الحلف في سياق الارتياب الأمني المتبادل بين الجانبين.