اللعب في زمن الفوضى هو الأمر الذي سيكون الحال عليه في الشرق الأوسط خلال الأيام القادمة، فمع انتخاب رئيس إيران واختيار إبراهيم رئيسي، ومدى تورطه بانتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان فإن ذلك يعتبر إذلالاً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للرضوخ لمطالب طهران في الاتفاق النووي الجديد.

كما أن البنتاغون أعلن بأنه سيسحب بطاريات الباتوريوت من منطقة الخليج العربي وبالتحديد من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وخفض تواجد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الجانب الإيراني وبحسب رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق يوسي كوهين فإن إيران ماضية في تصنيعها للسلاح النووي، حيث قال في التلفزيون الإسرائيلي «لقد جمعنا 55 ألف مستند و200 قرص كمبيوتر يثبت ذلك»، ومع تحرك غير مسبوق للميليشيات الحوثية التابعة للنظام الإيراني بشن سيل من الهجمات التي تستهدف المدنيين في المملكة العربية السعودية والذي يعتبر ذلك رسالة ضمنية للتصعيد في اليمن.

كل هذه الأحداث جاءت متناسقة عما رسمته إدارة أوباما المحدثة والتي يرأسها اليوم جو بايدن، فالخريف العربي ذات النسخة المطورة بدأت تتشكل وخاصة بأن إعادة إحياء إيران بات على مقربة بأن يكون واقعاً ملموساً وعلينا التعامل معه والتعايش وفق إمكانيات دول الخليج العربي، ولكن هذه المرة سيواجه الرئيس بايدن لتنفيذ مخططاته بالمنطقة معضلة قد تكون هي الأكبر والأبرز وهو وجود التحالف العربي والمكون من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وقد ينطوي على هذا التحالف دول الخليج كونها شريكاً في التصدي للسياسات الأمريكية الداعية للفوضى والداعمة لكل خطوة تشهد بها المنطقة لتغيير الأنظمة.

فمع تلك الخطوات الأمريكية إلا إنها لا يمكن العمل في تنفيذ تلك السياسات من دون وجود إيران، ولعل اللاعب الذي سيكون هو حلقة الوصل بين التحالف وإدارة بايدن هي إسرائيل، حيث من المقرر أن يستقبل الرئيس الأمريكي رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالي بينيت مع نهاية الشهر الجاري وستجرى مباحثات مهمة وعلى رأسها مناقشة برنامج إيران النووي، والذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية ودول الخليج العربي على حد سواء، وأن أي تقدم إيراني لوجود التسلح النووي سيكون للمملكة العربية السعودية رد مباشر بامتلاكها التصنيع العسكري النووي وهذا الأمر يدركه الجانب الأمريكي والإسرائيلي.

وبالتالي، أصبحت عملية التعامل مع الإدارة الأمريكية في سياساتها الجديدة ودعم الكيانات المثيرة للفوضى مسألة وقت حتى تتضح الأرضية التي سترسو عليها واشنطن في البدء بمشروعها، ولكن كما للإدارة الأمريكية أدواتها كذلك لدول التحالف العربي لهم أدواتهم واستراتيجياتهم في التعامل مع تلك التطورات، فصفقات التسليح ودخول التكنولوجيا الصينية والروسية كلها أدوات للضغط على بايدن لمراجعة خططه بالمنطقة، وهذا الموضوع قد يطول شرحه وباختصار أن العمل الدبلوماسي لدول التحالف العربي لا يختلف عليه اثنان هو عمل تكاملي وتوزيع للأدوار، فلكل دولة من التحالف لها علاقات متميزة مع الأطراف المؤثرة على القرارات الدولية ولها مصالح متشعبة ولكنها تتفق على نقطة محورية وهو الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة. إذاً نصل لنقطة محورية، أن السياسات الأمريكية واللعب في زمن الفوضى يواجهه لاعبون محترفون في التعامل مع هذه السياسات، فالرئيس بايدن يواجه أنظمة قد تعاملت مع إدارات متعاقبة ومخططات متغيرة لصناعة التغيير في منطقة الشرق الأوسط، غير أنها فشلت في الخليج العربي لإدراكها بأن السياسات التي تنتهجها واشنطن هي مجرد حبر على ورق وفي عملية التنفيذ تنصدم بكمية التحالفات والمصالح التي تجعل الإدارة الأمريكية ترضخ وتتنازل عن مخططاتها التآمرية، وفي هذا الجانب وأقولها صراحة ما يقلقنا هذه المرة هو الدخول في نفق المراهقات الإيرانية في الاستهداف المباشر لدول الخليج فالأذناب يتم التعامل معهم بالتصدي لهم وهذا الأمر شبه محسوم، في المقابل على دولنا التصدي لطهران في سيناريو قد يجعل المنطقة تدخل في نفق مظلم بصناعة أمريكية، ولكن هذا الحديث سابق لآوانه، فالأيام المقبلة ستكشف المزيد من الأوراق الأمريكية في تعاملها في المنطقة.