تشير إلى الرحيل الأمريكي من الخليج مؤشرات عدة كتقشف واشنطن في الانخراط في قضايا المنطقة بروح الحريص، مما يؤكد أن الأولويات الأمريكية تقع في مكان غير الخليج. كما نلاحظ ضعف مبادراتها، وترك التفاعلات الداخلية تجد لها منفذاً من الاحتقان بنفسها، كما حدث في غزة مؤخراً. ثم قول البنتاغون أنه سيسحب 8 بطاريات باتريوت من دول بينها الكويت والسعودية، ومنظومة «ثاد» من السعودية، وسيتم تقليص أسراب المقاتلات.

ولا نقلق من ذلك، فقد جاء وخرج البرتغاليون ثم الهولنديون ثم الفرنسيون والبريطانيون عام 1971 بعد قرار وزارة العمال سياسة شرق السويس التي وضعتها عام 1968، ولم تنفع الجهود الخليجية لثني لندن رغم أن الخليج كان أحد معاقل الإسترليني. الفرق في حينه مع مايجري الآن أن بريطانيا كانت حريصة على عدم تشكيل فراغ استراتيجي فتسلم الأمريكان الوديعة المتضمنة أمن الخليج بشقيه أمن المصالح الغربية وأمن الحلفاء الخليجيين. أما واشنطن فلا تظهر ما يهمها إن تشكل الفراغ أو قفز أحد فيه، وكأن واشنطن لا تخسر في حال ملأته الصين أو روسيا أو إيران. وقد تعددت أسباب الرحيل الأمريكي، لكن أهمها:

- تقليص البصمة العسكرية الأمريكية في الخليج للاهتمام بحسابات داخلية أمريكية، كالتعافي الاقتصادي، ومواجهة كورونا، وإيجاد حل سريع للانقسامات في الداخل الأمريكي.

- بدافـع توجيـــه الأولويات والموارد صــــوب شرق آسيا، ومواجهـــة التحدي الصيني المتصاعد.

- الوجود العسكري ليس السبيل الأوحد لتأمين المصالح الأمريكية، فالنهج الدبلوماسي يحقق نتائج مثمرة بالقوة الناعمة بدل القوة الخشنة، ومبدأ الردع سيتحقق بهذا النفوذ الناعم.

- القوات الأمريكية الموجودة كافية وعدم زيادتها بل أن تقليلها لا يخلّ بأمن الخليج.

- نزع مفجرات الصراع في المنطقة ممكن بالعودة للاتفاق النووي الإيراني، وانتهاز الاتفاقيات الإبراهيمية لخلق ترتيبات بديلة لتسد الغاياب الأمريكي في المنطقة.

* بالعجمي الفصيح:

الحل الخليجي للمقبل من الأيام لوخرجت أمريكا يكمن في تكذيب القول بتشكل الفراغ الاستراتيجي، بل إن الصين أو روسيا ليس لديهما القدرة والرغبة في تكثيف أدوارهما الأمنية في مكان شائك ومعقد. وإذا كان ولابد من مظلة للخليج فالبديل هو من له قواعد وتربطنا معه اتفاقيات أمنية ونشتري السلاح منه وهو حلف شمال الأطلسي. لكن بعد تطوير مبادرة إسطنبول.

* كاتب وأكاديمي كويتي