يراودني شعور في بعض الأحيان عن مدى قوة تأثير تلك الكلمات القليلة التي نكتبها بين الفينة والأخرى سواء في حسابات التواصل الاجتماعي أو من خلال المنصة العزيزة على قلبي «زاوية الوطن». يحدونا شعور بالتردد في بعض الأحيان لاختيار موضوع نكتبه، أو تغريدة أو صورة أو مقطع فيديو ننشره.. تردد من أجل اختيار الكلمات التي لها الوقع النفسي في نفوس القارىء، والتي قد تغير أحياناً حياته، أو تذكره بإنجازات لم تولد بعد، أو بقيم توارت بين دروب الحياة!

كلها خواطر تراودني في زمن غريب عجيب لم نعشه من قبل، وابتلاء نسأل الله تعالى أن يكون ابتلاء رحمة وتطهير للنفوس. زمن أضحى الكاتب فيه ينتقي كلماته كما تنتقي أطايب الثمر، يكتب ليفخر بإنجازات حياتية، وفي اليوم التالي ينعي فيه أحد المحبين، وفي اليوم الآخر يدعو الله تعالى أن يشافي مريضه. كم هي الحياة متشابكة ومتغيرة، ومليئة بالمفاجآت، وطوبى لمن يتعظ فيها ويعود إلى رشده ويتذكر مآله. حياة تزهد فيها بتلك الهوامش الفانية التي تتلذذ فيها جراء ما تعايشه وتشاهده من صور غريبة تمر أمام ناظريك. تفكر في سرد سطور ذلك المشهد العجيب الذي تشاهده في المقبرة لقريب توفي من مرض كورونا، فيعجر قلمك أن يصف المشهد المروع بصورته الأصلية وبحجم التأثير الذي وقع على نفسك حينها، لأنك تدرك أن موعد رحيلك ليس بالبعيد في دنيا يغادر فيها ضيوفها واحداً تلو الآخر إيذاناً بقرب زوال هذه البسيطة، والانتقال لحياة برزخية أخرى لا نعرف أحوالها.

معذرة فهذه السطور لا تجد أي تفسير تجاه ما يحدث على جنبات طرق الحياة، لأنها بالفعل تجد نفسها عاجزة عن التعبير.. فتختار أن تكتب أحياناً عن مهاترات حياتية مع نفوس مريضة تعايشها على قارعة الطريق، ثم تنتقل للحديث عن واقع الحياة وعطاء المسلم وإيجابيته ونفعه للآخرين.. تختار أن تكتب عن تأملات في واقع تعيشه مع إشراقة كل يوم جديد في حياتها.. تقف لحظة وتتأمل في عدد من الأفكار التي ما زالت عالقة في ذهنها ولم تجد طريقها للتنفيذ.. وفي عدد من الأحلام التي لم تر النور بعد.. وفي عدد من الصور التي تأمل أن تبحث عن أبطالها التي كانوا يتقاسمون معها أفراح الحياة ومواقف الأيام.. تقف لتجدد تلك الكلمات وتحاول أن تجدد الأثر الذي تتركه في كل إطلالة على أبطال الحياة.. تقف لتفرض وجودها وترتقي بحجم الأثر وقوته وتأثيره في الحياة قبل أن تفارق الوجود الحياتي إلى الأبد.

كتب أستاذ يرثي تلميذه الذي أشرف على تدريسه في المرحلة الابتدائية، يثني فيه على أخلاقه وطيبته، وعلى تواصله الدائم معه كل صباح، فهو لم يترك كلمات الخير التي تعلمها منه يوم أن كان صغيراً، بل تواصل معه بها إلى أن كبر وكبرت معه تلك القيم الجميلة التي زرعها أستاذه في شخصيته.. أستاذه اليوم كتاب كلمات الرثاء في حقه باكياً عليه.. لأنه أرسل على هاتفه كلماته المعتادة في الصباح.. وفي المساء.. وصل خبر رحيله.. يا الله.. ما أسرع هذه الدنيا وقرب الرحيل!!

ستظل كلماتك شاهدة لك على صنائع الخير التي خطتها أناملك الطيبة المحبة لأجمل الأثر، فلا تتراجع قيد أنملة عن تلك المعاني التي اعتدت على نشرها وزرعها في قلوب محبيك ومتابيعك، ولتكن كلمتك هي الأثر الباقي في حياة كل من يقرأ حروفك، ومشروعاتك الحياتية التي تخطها، إنما هي مشروعات الغد الباقية التي تدعو الله تعالى أن يمد في عمرك حتى تدرك أثرها وتنشر خيرها وتتشارك مع الجميع لتنصع الفرحة.. هكذا يجب أن نكتب.

* ومضة أمل:

اللهم اجعلنا من صناع الخير والفرح والسعادة.