من بين مجموعة من الأناشيد الوطنية التي سيتردد صداها في ملاعب دورة الألعاب الأولمبية هذا العام، يتوقع المشاهدون في طوكيو ومختلف أنحاء المعمورة سماع كونشرتو (مقطوعة) البيانو رقم 1 للموسيقار بيوتر تشايكوفسكي، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير نشرته الأربعاء، إن الرياضيين الروس الفائزين لن يعتلوا منصة التتويج تحت راية روسيا أو يرددوا كلمات نشيدها الوطني بعد حظرها من المشاركة في المنافسات الرياضية العالمية الكبرى، بسبب فضيحة منشطات واسعة النطاق طالت رياضيين روساً في عام 2015، وسط اتهامات لجهات رسمية بالدولة الروسية بـ"دعم ورعاية ممنهجة" لهذه الممارسات.



والثلاثاء، نشرت اللجنة الأولمبية الروسية قائمتها النهائية التي تضم 335 رياضياً سيسافرون للمشاركة في أولمبياد طوكيو التي تنطلق في 23 يوليو الجاري؛ لكن المجموعة لن تنافس باسم "روسيا"، وسترفع راية محايدة بدلاً من العلم الروسي، هي راية "اللجنة الأولمبية الروسية" التي تحمل ثلاثة ألسنة لهب ترفرف فوق الحلقات الأولمبية.

وبعد أن وجد تقرير صدر بتكليف من الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عام 2015، أدلة على تعاطي منشطات ذي طابع مؤسسي وتلاعب ببيانات المختبرات، حُرمت روسيا لمدة أربع سنوات من استخدام اسمها وعلمها ونشيدها في البطولات الرياضية العالمية، ويشمل ذلك الأولمبياد. وفي ديسمبر الماضي، خفضت محكمة التحكيم الرياضي (كاس) هذا الحظر الأصلي إلى النصف.

وبحسب الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، فإن مجموعة العقوبات كانت "أقسى مجموعة" تفُرض على الإطلاق في الجرائم المتعلقة بالمنشطات؛ لكن بعض القادة الأولمبيين يرون أن العقوبات مخففة للغاية.

وبعد خضوع الاتحاد الروسي لألعاب القوى "لأقسى عقوبات" تفرض على اتحاد رياضي، تشوهت سمعته بسبب فضائح تعاطي منشطات واحدة تلو الأخرى خلال السنوات الست الماضية.

وتنفي روسيا تنفيذ برنامج المنشطات الذي تديره الدولة، ووصف حينها رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف العقوبات بأنها "هستيريا مزمنة مناهضة لروسيا"، على الرغم من اعترافه بأن روسيا لديها مشكلات "كبيرة" و"لا يمكن إنكارها" فيما يتعلق بالمنشطات.

وقالت واحدة من الرياضيين المشاركين في البطولة، وهي لاعبة الوثب الطويل الروسية داريا كليشينا، لمجلة "تايم" الأميركية، إنها كانت تنتظر لحظتها الأولمبية منذ أن كانت في السادسة عشرة من عمرها، عندما كانت تتدرب بشكل احترافي في موسكو، التي تبعد 112 ميلاً عن بلدتها الصغيرة "تفير".

وأضافت في مكالمة فيديو عبر تطبيق "زووم" في مايو الماضي من منزلها في أتلانتا، بولاية جورجيا، حيث تتدرب حالياً ستة أيام أسبوعياً: "أريد تغيير تجربتي الأولمبية بطريقة إيجابية". وأشارت كليشينا التي تبلغ من العمر 30 عاماً، إلى أن تجربتها في ريو دي جانيرو كانت "وحيدة" و"مرهقة" نتيجة لذلك.

وبينما تستعد للسفر إلى طوكيو، فإنها مصممة على جعل تجربتها مختلفة هذه المرة. وعلى الرغم من أنها ستنافس في ملعب نصف ممتلئ بسبب القيود المفروضة جراء جائحة كورونا، لكنها تتوقع أنها ستشعر بمزيد من البهجة أكثر من تجربتها في أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016، حيث كانت لاعبة المضمار والميدان الروسية الوحيدة التي سمح لها الاتحاد الدولي لألعاب القوى بالمنافسة.

ومنذ حظر مشاركة الاتحاد الروسي لألعاب القوى (روساف) من قبل الهيئة الإدارية الرياضية في عام 2015 بسبب برنامج المنشطات الذي تديره الحكومة، لم يُسمح إلا للرياضيين الروس الذين لم يشاركوا في الخطة بالمنافسة دولياً بصفتهم محايدين.

المجلة الأميركية أشارت إلى أن العديد من الرياضيين الروس يشعرون بالتشاؤم بشأن عودة الاتحاد الروسي لألعاب القوى إلى ساحة الرياضة العالمية في أي وقت قريب.

ولهذا يحاول بعض الرياضيين الشباب غير الراغبين في ربط مستقبل حياتهم المهنية بالإصلاحات التي يقوم بها الاتحاد، تأمين الجنسية المزدوجة في بلدان أخرى والانضمام إلى الفرق الوطنية الأخرى للحصول على فرصة المنافسة دون قيود؛ غير أنه لا يمكن لجميع الرياضيين تحمل خسارة السنوات اللازمة لهذه العملية.

تقول كليشينا إنها فكرت في تغيير الفرق منذ عدة سنوات، لكن العملية الصعبة والطويلة أثنتها عن ذلك. وبالنسبة للرياضيين الذين اقتربوا من نهاية حياتهم المهنية، قد يعني الحظر أنهم لن يمكنهم المنافسة على المسرح العالمي مرة أخرى.

وكليشينا، التي تعيش في الولايات المتحدة منذ عام 2012، وخضعت لـ"اختبارات تعاطي المنشطات" خارج بلدها، هي واحدة من عدد محدود من لاعبي سباقات المضمار والميدان الروس الذين سُمح لهم بالمنافسة على المستوى الدولي.

وبموجب قواعد الاتحاد الدولي لألعاب القوى، ستُشارك كليشينا مع 9 رياضيين روس آخرين في سباقات المضمار والميدان في أولمبياد طوكيو تحت راية اللجنة الأولمبية الروسية، بدون علم بلدها أو نشيدها الوطني.

يقول ميخائيل بروكوبتس، الخبير في قانون الرياضة في شركة "سيلا" القانونية ومقرها موسكو: "يشعر بعض الرياضيين أن (عناء) 15 عاماً من التدريب سيذهب هباء".

قالت "تايم" إن محاولات بعض الدول تجنيد رياضيين أجانب سعياً وراء النجاح ليست بالأمر الجديد. ولكن منذ حظر الاتحاد الروسي لألعاب القوى، "تسارعت وتيرة" هذه الممارسة، كما يقول آلان مور، مقدم البرامج الرياضية في محطة راديو "كابيتال إف إم" موسكو.

وفي السنوات الأخيرة، كثفت دول مختلفة، بما في ذلك أرمينيا وجورجيا وأذربيجان من تجنيد الرياضيين الروس من حاملي الجنسيات المزدوجة. كما زار ممثلو جامعات أميركية روسيا، حتى أثناء الجائحة، للترويج للمنح الرياضية الجامعية التي يمكن أن تمهد السبيل إلى المنتخب الوطني الأميركي.

وبحلول الوقت الذي يكمل فيه الرياضيون الشباب درجات البكالوريوس والماجستير، قد يكونون مؤهلين ليصبحوا مواطنين أميركيين بالتجنس، وهو وضع يمكن منحه بعد ثلاث أو خمس سنوات للمقيم. في هذه المرحلة، ربما يكونون قادرين على التقدم للانضمام إلى المنتخب الوطني الأمريكي.

لكن أكبر عقبة أمام تغيير الجنسية الرياضية هي المرحلة الانتقالية، وهي الانتظار من سنة إلى خمس سنوات؛ اعتماداً على قواعد الاتحاد الرياضي بين تمثيل فريقين وطنيين مختلفين يهدفان إلى منع الرياضيين من تبديل ولائهم بشكل متكرر، كما يقول المحامي بروكوبتس.

لا يستطيع العديد من الرياضيين تحمل خسارة هذه السنوات الحاسمة في حياتهم المهنية التي عادة ما تكون قصيرة العمر؛ ولكن "ليس لديهم الوقت أيضاً لانتظار رفع القيود"، على حد قوله.

"وصمة عار"

وبينما يقول الكثير من الرياضيين الروس إنهم سيفعلون الأمر نفسه إذا أتيحت لهم هذه الفرصة لتغيير الجنسية الرياضية، تعرض بعض زملائهم في أميركا لموجة من الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان قرارهم في وسائل الإعلام الروسية.

إيلينا كوليشينكو، لاعبة الوثب العالي الروسية البالغة من العمر 18 عاماً، قالت: "تلقيت مئات الرسائل على إنستغرام تصفني بالخائنة". وأضافت كوليشينكو التي تلعب باسم الولايات المتحدة: "لقد شعرت بالضيق والصدمة في البداية ولكن الشيء المهم هو أن كل من يعرفني حقاً يدعمني".

من جانبها، تقول كسينيا مايوروفا، المحامية الأميركية من أصل روسي والمتخصصة في شؤون الهجرة الرياضية والشريكة الإدارية لمجموعة "مايوروفا للمحاماة" ومقرها أورلاندو، إن الرياضيين من روسيا وأوروبا الشرقية يواجهون "وصمة عار شديدة" لاختيارهم التدريب في الخارج أو الانضمام إلى فريق وطني أجنبي.

وتقول إن بعض عملائها من روسيا وأوروبا الشرقية اختاروا الحفاظ على خصوصية طلبات البطاقة الخضراء الأمريكية بسبب العداء السياسي الذي يواجهونه في أوطانهم.

وفي عام 2017، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن التنافس تحت علم محايد أو مقاطعة الألعاب الأولمبية بالكامل سيكون بمثابة "إذلال للبلاد"، حسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"؛ لكن روسيا قررت إرسال رياضييها.

في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ 2018، سار الرياضيون الروس في احتفالات الافتتاح حاملين العلم الأولمبي ولقب "رياضي أولمبي من روسيا". وارتدى لاعبو الفريق معاطف رمادية فاتحة وأوشحة وقبعات بيضاء وسراويل جينز زرقاء، خلافاً لملابسهم المعتادة بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق.

لكن في موعد هذه الألعاب الأولمبية، سمحت محكمة التحكيم للرياضة ببعض المكاسب الصغيرة لروسيا، تشمل استخدام ألوانها الوطنية، والإبقاء على اسم "روسيا" إذا ظهرت كلمات مشابهة لـ"رياضي محايد" بقدر متساوٍ على الزي الرسمي.

من جهته، قال رئيس اللجنة الأولمبية الروسية، ستانيسلاف بوزدنياكوف، إن المرء لا يحتاج إلى "خيال قوي" لرؤية العلم الوطني في تصميم الزي الرسمي، حسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".

لكن مسؤولي محكمة التحكيم الرياضية رفضوا استبدال الخيار الأول للفريق الروسي للنشيد الوطني الذي كان أغنية "كاتيوشا" الشعبية في العهد السوفيتي. "بالنظر إلى أن اللحن له ارتباطات بوطننا"، وجد بوزدنياكوف حلاً وسطاً في الملحن الروسي تشايكوفسكي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتنافس فيها الرياضيون الروس تحت راية محايدة. فعندما تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1992 قبل شهرين فقط من الألعاب الأولمبية، شارك الرياضيون من الاتحاد السوفيتي السابق، باستثناء دول البلطيق، تحت علم محايد في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ألبرتفيل، بفرنسا، والألعاب الأولمبية الصيفية في برشلونة. وعندما فاز الرياضيون بميداليات ذهبية، عزفت الفرق الموسيقية النشيد الأولمبي.

على الرغم من الاضطرابات، تصدر الفريق جدول الميداليات في الألعاب الصيفية، وكان في المركز الثاني في الألعاب الشتوية. وبعد ذلك، ظهرت دول الاتحاد السابق أوليمبياً كدول مستقلة.