مريم بوجيري

عرفت بشخصيتها الهادئة وحبها للتحدي والمثابرة، وتدرجت في عدة مناصب مستلهمة من ذلك شغفها للإنجاز، هي ابنة الطبيب رمزي فايز -رحمه الله- الذي عمل في وزارة الصحة متدرجاً في المهام الوظيفية إلى أن وصل مديراً للجان الطبية والكومسيون الطبي، وشارك في تأسيس جمعية الهلال الأحمر البحريني وعين عضواً بمجلس إدارة الجمعية وأميناً عاماً لها، «الوطن» أبحرت في محطات من حياة هالة رمزي الإنسانة، الأم، المرأة العاملة، وأول عضو مجلس شورى من الطائفة المسيحية والتي تبوح بها لأول مرة في الوسط الإعلامي فكان لنا هذا اللقاء.

من هي هالة رمزي؟



- هالة رمزي فايز الوالد كان طبيباً وعمل في وزارة الصحة بين العيادة المدرسية في ذاك الوقت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم خلال فترة طويلة ثم انتقل إلى رئاسة لجنة العلاج بالخارج بالوزارة إلى حين التقاعد، والوالدة كانت تعمل معلمة في مدرسة القلب المقدس للغة العربية والفرنسية، ومن ثم انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم، حيث عملت كمشرفة لمراكز محو الأمية، أما أنا فقد تعلمت وتدرجت في المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الإعدادية، كانت في مدرسة الإرسالية الأمريكية «الرجاء»، ومن ثم انتقلت إلى مدرسة المنامة الثانوية وبعدها درست في جامعة البحرين وتخرجت في عام 1985 بكالوريوس إدارة أعمال، ومن بعدها تقدمت لبعثة في شركة نفط البحرين «بابكو» وعملت فيها بعد التخرج حيث كانت هي وزميلتها أول سيدتين تبتعثهما الشركة لدراسة تخصص إدارة الأعمال في ذلك العام.

حدثينا عن اختيارك تخصص إدارة الأعمال؟

- بدايةً، كانت تستهويني دراسة الهندسة المعمارية في ذاك الوقت، وحينها لم يكن التخصص متوافراً ضمن شهادة البكالوريوس وإنما دبلوم فقط والوالد لم يكن مشجعاً لتغربي في الخارج للدراسة حينها فخيرني بين القبول بدبلوم الهندسة المعمارية أو اختيار تخصص آخر وحينها كان بكالوريوس إدارة الأعمال هو التخصص الوحيد المتوافر، وفي أثناء الدراسة اكتشفت هوسي بالمحاسبة وتخصصت فيها بعد ذلك.

صور


هل عرض عليكِ الوالد دراسة الطب؟

- أبداً بل على العكس! الوالد كان خائفاً من دخولي دراسة الطب وكان يحاول أن يثنيني عن الدخول إلى القسم العلمي ليبعدني عن دراسة الطب كونها مهنة شاقة، وخاصة للفتيات؛ حيث تكون حياة الطبيب مرهونة لمهنته دائماً.

عرفينا على العائلة الكريمة؟

- عائلتي مكونة من أخ وأخت، أخي فايز رمزي الرئيس التنفيذي لحلبة البحرين الدولية، وأختي داليا رمزي تخصصت في المجال المصرفي وعملت في أحد البنوك فترة طويلة، وحالياً هي متقاعدة وتدير عملها الخاص.

ما أبرز ما تعلمتِه من والدكِ؟

- الوالد بخبرته المهنية أضاف لي كثيراً وتعلمت منه كثيراً جداً، علمني الإخلاص في العمل وأهمية حب العمل ولم أنس أن الوالد كان يعمل في فترتين خلال اليوم يخرج السابعة صباحاً، ويعود للغداء ومن ثم يرجع لعمله في اللجان الطبية، وكان يومه طويلاً لكن لم يتذمر وذلك غرس فينا جميعاً حب التفاني في العمل، كما تعلمت منه حب الناس؛ فالوالد ترك بصمة جميلة وذكريات مازلت أسمعها حتى اليوم، وكان دائماً يحب أن تكون العائلة مجتمعة على الوجبات الرئيسية، والحياة العائلية لديه مقدسة وزرعها فينا رحمه الله.

صور


أكثر شيء تتذكرينه له حتى الآن؟

-كان دائماً يردد سوي الخير وارميه في البحر والخير يعود لك بأضعاف، في أثناء عمله عندما كان أميناً عاماً لجمعية الهلال الأحمر البحريني شارك في تأسيسه وكان عملاً تطوعياً بحتاً، ومثل البحرين في كثير من المحافل الدولية في هذا الخصوص، كبرنا ورأينا الوالد يعطي من وقته للأعمال الخيرية بالرغم من كثرة انشغالاته وهي من أكثر الأشياء التي تركت بصمة في ذكراه، وكان دائماً يردد المثل: «داري على شمعتك تقيد» والتي كان يحاول من خلالها إيصال معنى لنا حول عدم التباهي بالنعمة وأن المظاهر ليست مهمة وبذلك يحاول غرس معاني التواضع فينا وحب العطاء.

حدثينا عن دور الوالدة في تلك الفترة.

- الوالدة كان لها دور كبير في رسم هالة الإنسانة والأم التي ترونها حالياً، زرعت فينا حب العائلة الصغيرة والكبيرة، كنا نذهب وكان البيت عندنا مفتوحاً دائماً، وكانت الوالدة تحب الطبخ كثيراً وتقدم تلك الأصناف التي تقوم بطهيها للضيوف وتعلمت منها الطبخ أيضاً، بصمة الوالدة علينا كانت جميلة في لم شمل العائلة الصغيرة والكبيرة ودورها في التربية.

حدثينا عن عائلة هالة رمزي الصغيرة.

- هالة رمزي متزوجة وأم لولد وبنت، زوجي مدير عام لشركة ( بي كي إف-البسام) وهي شركة حسابات وتدقيق واستشارات مالية، لدي بنت واحدة خريجة ماجستير علم نفس من إنجلترا، ابني درس التسويق ويعمل في شركة خاصة في هذا المجال، وأنا جدة لحفيدين توأم أبناء ابنتي هدير عمرهم سنتين ونصف، وابني على وشك الزواج قريباً.



كيف استطاعت هالة الأم التوفيق بين أسرتها وعملها في ذات الوقت؟

- الوالدة الله يحفظها دعمتني كثيراً عند بداية زواجي وتربيتي لابنتي هدير وخصوصاً أنني كنت أعمل في ذاك الوقت فترة طويلة إلى جانب عمل زوجي في ذات الوقت، لذلك كنت أحاول دائماً عند عودتي من العمل التزام المنزل والتركيز على تربية أبنائي والوقوف على احتياجاتهم، وأذكر في عام 1991 عندما كنت أدرس لنيل درجة المحاسب القانوني كشهادة مهنية كان يجب علي السفر للولايات المتحدة مدة 3 أشهر للاستعداد للامتحان والذي كان يجب تقديمه هناك، حينها خلال تلك الفترة قام زوجي بدور كبير جداً في تشجيعي لنيل هذه الشهادة رغم التعب والمسؤولية التي سيتحملها في هذه الفترة ولم يعارض أبداً، وكنت سأقوم في اللحظة الأخيرة بإلغاء السفر إلا أنه أصر علي لأهميته لمستقبلي العملي إلى جانب تشجيع الوالد والوالدة في ذاك الوقت، كانت هذه محطة مهمة في حياتي وحينها كنت أنا وزميلتي أول سيدتين يتم ابتعاثهما لنيل تلك الشهادة فكان ذلك فخراً بالنسبة إلي وتحدياً كبيراً لي ولزميلتي، والشهادة لم تكن سهلة ونسبة النجاح 15% على مستوى العالم والحمد لله استطعت نيلها بدعم الجميع.

حدثينا عن أبرز محطات حياتك.

أبرز محطاتي كانت عندما قررت ترك شركة نفط البحرين والانتقال إلى شركة طيران الخليج التي عملت فيها كمدير للمخاطر المالية كتخصص جديد في الشؤون المالية وكان تغييراً كاملاً في حياتي المهنية واخترت هذه الوظيفة تحديداً كتحدٍّ لتطوير قدراتي الشخصية وحينها درست ونلت شهادة احترافية لمحاسب المخاطر المالية وأعتبرها تغييراً في مشواري المهني، بعدها انتقلت للعمل في إدارة الموانئ كمسؤولة لإدارة الشؤون المالية والإدارية وتقنية المعلومات لمدة 4 سنوات، ومن ثم في 2010 انتقلت لإدارة الجمارك بوزارة الداخلية في فترة قصيرة قبل انتقالي إلى مجلس الشورى تعلمت منها كثيراً، أما على المستوى العائلي فكنت أحاول مساعدة أبنائي على اختيار التخصص الذي يناسبهم ويحدد مستقبلهم، وأعتقد أنني أحب التحدي لأثبت لنفسي قدرتي على الإنجاز وأحب أن أتعلم دائماً وأكتسب خبرات جديدة، صحيح أنني أعتبر شخصية هادئة لكنني على المستوى العملي أحب الإنجاز ولا أستطيع الجلوس بدون أن أنشغل بشيء معين.

ما هي هواياتك وكيف تقضين وقت فراغك؟

-أحب القراءة وتحديداً في مجالات علم النفس وكنت أحب القراءة عندما كان أبنائي صغاراً في مجال التربية الحديثة وكيفية التعامل مع الأبناء، أحب الرسم وخلط الألوان وكانت بالنسبة إلي مخرجاً من التوتر مع الانشغال في الحياة اليومية، إلى جانب الرياضة والمشي والسباحة، ومع الأوضاع الحالية أصبح عملي في المنزل أمام شاشة الكمبيوتر لكن قبل ذلك كنت أذهب إلى المجلس وأعود إلى المنزل أقضي هواياتي أو أذهب لزيارة الوالدة أو الخروج للمشي، لا أحب قضاء وقت طويل لمتابعة التلفاز إلا في حال وجود أحداث معينة على الساحة، واهتمامي بوسائل التواصل الاجتماعي يتعلق بالأخبار المحلية والعالمية فقط لكن لا تستهويني المشاركات في مجالات أخرى وأعتبر أن الواتساب للضروريات وليس لكثرة الرسائل التي تنشر القلق والإشاعات وتضيع الوقت.

كيف تلقيتي خبر التعين في مجلس الشورى؟

- تشرفت بنيل الثقة الملكية السامية في عام 2010 بتعييني في مجلس الشورى، كانت مفاجأة بالنسبة إلي وكنت سعيدة جداً، حيث كان لي تحديًّا جديداً في حياتي العملية والعائلة كنت فخورة، عند تلقي الخبر كنت في الطائرة عائدة للبحرين بعد زيارتي لابنتي في إنجلترا لدراسة الماجستير وكانت المفاجأة كبيرة ولم أعلم حينها إذا كان ذلك خبراً حقيقياً أم مقلباً من شدة الفرحة، بعدها أخبرت العائلة التي كانت سعيدة بذلك، ولم أكن متوقعة أبداً وخصوصاً أنني في تلك الفترة بدأت بالعمل في إدارة الجمارك ووضعت خططاً لتطوير الإدارة بالتعاون مع مدير الإدارة في ذاك الوقت وزير الإسكان حالياً باسم الحمر ولم أتوقع أن أترك العمل في هذه الفترة القصيرة، لكن سعادتي كانت عارمة ولا توصف.

صور


حدثينا عن طبيعة عملك في مجلس الشورى.

- دخولي إلى المجلس كان تحدياً كبيراً للدخول في العمل التشريعي، عرفت أهمية العمل التشريعي في المسيرة الديمقراطية للبحرين عندما دخلت المجلس من خلال العمل لكل المواطنين وسن القوانين الذي يجب النظر فيها لتطبيقها خلال الـ 10سنوات المقبلة، ومدى تأثيره على حياة الأفراد والأشخاص، أصبحت أثقف نفسي قانونياً وخلال الفصل التشريعي الثالث دخلت للجنة الشؤون المالية والاقتصادية كونها أقرب لخبرتي السابقة وأول 4 سنوات كانت تأهيلية بالنسبة إلي وبعدها في الفصل الرابع أصبحت عضوة في لجنة الخدمات، والآن نائب للرئيس كانت لجنة الخدمات شاملة وتهم المواطنين بشكل مباشر، دخلت كعضو في لجنة المرأة والطفل وفي الفصل الرابع أصبحت رئيسة للجنة لمدة 3 أدوار وكان لدينا قانون العنف الأسري وفي الفصل الحالي أصبحت رئيسة في الدور الثاني وعملنا على قوانين مهمة منها قانون العدالة الإصلاحية للأطفال.

كيف ترين علاقتك برئيس وأعضاء المجلس؟

- الرئيس علي الصالح رجل حكيم جداً يبهرني بأسلوبه وطريقته في إدارة الجلسة أو أي نقاش أو اختلاف طبيعي في وجهة النظر، يمتلك خبرة في الإدارة إلى جانب أخلاقه العالية في التعامل والجميع يشهد له بذلك، كما أنني لا أستطيع أوفي حق زملائي في المجلس من تعاونهم الدائم والمحبة والمساعدة سواء الحاليين أو السابقين.

كيف كان شعورك عند نيلك منصب النائب الثاني لرئيس المجلس في الدور الثاني؟

- أقدر لجميع الأعضاء ثقتهم ودعمهم بعد نجاحي بالتزكية للمنصب في 2019، ما يعكس اهتمام ومحبة الجميع وكان الشعور جميلاً بالنسبة إلي كهالة الإنسانة، وكأول عضو مجلس شورى من الطائفة المسيحية، وذلك كان فخراً لي.

صور


كيف ترين التسامح الديني في البحرين؟

- أنا أعتنق الديانة المسيحية وهي أقلية في البحرين لكن مع هذا لم أشعر أبداً في حياتي بأن ديانتي المختلفة أثرت علي بل بالعكس كنت أول بنت ابتعثت من شركة بابكو إلى جانب ابتعاثي كأول بنت لنيل شهادة المحاسب القانوني؛ لم يفكر أحد بديانتي والجميع كان يشاركني في الأعياد المسيحية ويشاركونني المحبة ونتمتع في البحرين بحرية دينية لا حدود لها ولا يوجد هناك تفرقة دينية أو طائفية، البحرين منفتحة جداً على الآخر بأقصى حد، وأقولها بصراحة: «الدين قط لم يكن عقبة لأي أحد في البحرين».

حدثينا عن الجلسة التي أدرتها للمرة الأولى كنائب ثان في فبراير 2019.

- نلت شرف ترؤس الجلسة كاملة في ذاك الوقت بدعم الأعضاء ورئيس المجلس، وأتذكر أن النقاش احتدم في هذه الجلسة تحديداً، لكنني تركت المجال للجميع لتبادل وجهات النظر دون إقفال باب النقاش، مستلهمةً ذلك من رئيس المجلس علي الصالح، أتذكر أنها كانت جلسة خفيفة وتعلمت منها الكثير.

كلمة أخيرة في نهاية اللقاء؟

لكل سيدة وبنت بحرينية، مهم أن يكون لديك روح التحدي والإبداع والشغف والمثابرة في العمل، المرأة البحرينية من القرن الماضي تأسست على تحمل المسؤولية وتربت على رؤية أن الأم قوية وثابتة وقادرة على ذلك، قدرات وإمكانات المرأة البحرينية لا حدود لها ولديها جميع المقومات سواء الشخصية أو البيئة التي حولها؛ فالقانون والقيادة الرشيدة والمجتمع يدعمها ويجب عليها عدم التهاون في ممارسة حقوقها الكاملة وهي اليوم بشهادة الجميع علم من الأعلام المهمة في محطات تطور المسيرة الديمقراطية في البحرين ويجب أن تكون هي الشريك الأساسي في التطور والنجاح.