يحق لنا أن نفتخر بتطور الدراما الخليجية والعربية وتقديمها قضايا ملهمة خلال السنوات الأخيرة، فعندما كنت أشاهد بعض الأعمال الدرامية الغربية التي تقدم قضايا فاعلة مثل فيلم رد المعروف «paid it forward»، فعلى قدر الاستمتاع كنت أشعر بالغيرة؛ لأنني أدرك أن لدينا إمكانات تستطيع أن تصنع دراما على نفس المستوى بل تتخطاها، وفي مسلسل «ليه لأ» في جزئه الثاني الذي جاء بعد سلسلة من الدراما الجميلة التي تعالج المشكلات التي تعتري مجتمعنا الحالي بشكل تفاعلي يواكب العصر الذي نعيشه.

فقد قامت الفنانة منة شلبي بتقديم المثال الأعظم للأمومة، فكل فتاة تحلم أن تكون أماً، وإن لم يكن لها نصيب في حياة طبيعية وأن ترزق بطفل فلماذا يتم هدر هذه الطاقة، وتبديد هذا الحلم، في حين أن هناك العديد من الأطفال يفتقدون الاهتمام ومشاعر البنوة.

إن تقديم نموذج يتماشى مع ديننا الحنيف من خلال التبني تم سياقه في شكل دراما ملهمة أسفرت عن تلقي وزارة التضامن والشؤون الاجتماعية في مصر 2700 طلب تبنٍّ في حين أن المسلسل لم يمضِ على انتهاء عرضه أكثر من أسبوعين.

إن الأطفال هم المستقبل، هم الهدف الذي نسعى من أجل إيجاد حياة أفضل له، وكل طفل من حقه أن تتم رعايته بالشكل الأمثل حتى يكون طاقة منتجة، وقد قامت الفنانة منة شلبي بتقديم دور الفتاة التي تتحدى الأقاويل الخبيثة بفعل نبيل وهو تبني الطفل يونس الذي خطف أداء الملايين ببراءته، فسلاسة أدائه جعلت الجميع حبيس الشاشة، والكثير شعروا بالحزن لانتهاء المسلسل، فقد كانوا يتمنون رؤية يونس وهو يكبر ويشاركونه جميع مراحل حياته.

إن العبرة من هذه الدراما المبدعة التي أشرفت على كتابتها مريم نعوم سجلت العديد من الفلاشات حول قضايا مجتمعية مهمة، فما بين القصة الأساسية لمنة شلبي، إلى بطل الملايين يونس تأتي قصة الزوجين اللذين فقدا ابنهما، ويشعران بالذنب، كادت أن تدمر حياتهما لولا مثابرة الزوج ومحاولاته المستمرة لمساندة زوجته لتخطي هذه الأزمة.

وأيضاً قصة الخروج عن الناموس الطبيعي في حكاية أحمد حاتم، ذلك الأب الذي اضطر إلى أن يقوم بدور الأب والأم، لأن طليقته أصيبت باكتئاب بعد الولادة ولم تستطع أن تتخلص منه وأن تقوم بدورها الطبيعي كأم.

إن التناول الدرامي لدور رعاية الأيتام، وإلقاء الضوء على الصورة الدرامية لتجسيد التناغم بين الأطفال القائمين بها وغرس إحساس العائلة بينهم من خلال اعتبار كل من بالدار أخاً للآخر والمشرفات أمهات لهم، وتفضيل يونس العودة إلى الدار في قمة التصاعد الدرامي حتى لا يسبب الألم لأمه البديلة، وإحساسه بالحب من قبل رفقائه بالدار أهون عليه من المعيشة الأفضل التي تم توفيرها له، كونه مكروهاً أو مسبباً للمعاناة لتجعل كل من يشاهد المسلسل يتفاعل ويتمنى أن يخف الألم عن قلب ذلك الطفل الصغير.

فالمسلسل يتناول العديد من المعالجات الإنسانية، ومنها قضية المغترب الذي عاد إلى وطنه مضطراً، ليصطدم هو وأسرته بواقع مختلف عن الذي اعتاد عليه، فالمغترب يعيش وينتمي للمجتمع الذي قضى فيه سنوات من عمره، وينتمي إلى عاداته، في الوقت الذي قد يتم فيه لفظه من هذا المجتمع دون الالتفات إلى ارتباطه أو احتياجاته واحتياجات أسرته التي ارتبطت به واتخذته وطناً في قلبها، فيصبح حائراً ما بين ما خسرانه غصباً، ومحاولة التأقلم والعيش في وطنه من جديد، والهم الأكبر في الأطفال الذين يشعرون بالحنين إلى الوطن البديل الذي كانوا يعيشون به، ولكن في نهاية المسلسل استطاعت الأسرة التكيف مع وطنهم.

من الجميل أن تقوم الدراما بإحياء قيم نبيلة، وتقديم أفكار جديدة من أجل تعايش يثمر مجتمعاً أكثر حباً وعدلاً وإنتاجاً للخير فتحية لجميع القائمين على المسلسل ونتمنى أن نشاهد مزيداً من الدراما الهادفة.