هناك نمط سائد خاطئ معني بالنظرة الشعبوية تجاه الأوطان، نمط أرى تناميه بحد ذاته يمثل خطورة على أي وطن، بل قد يكون سبباً رئيسياً في ضياعه أو جعله عرضة للأطماع والاستهداف، وللأسف هو نمط قد يرتكبه كل منا بلا دراية ودون تقصد، وكأننا نسهم في إضعاف أوطاننا بظن منا أننا نقوم بدور إيجابي تحت مسمى الحرية والتعبير عن الرأي.

أتحدث هنا عن وصول الإنسان إلى مرحلة لا يمكنه فيها «تقدير» النعم التي يحظى بها في وطنه، حينما يعتبر كل شيء موجود في وطنه من «المسلمات»، وأن الدولة «عليها وعليها وعليها فعل كل ذلك» وطبعاً دون أن تنتظر من الناس رد فعل إيجابي أو تقديراً لما تقوم به.

نعم هذا واقع يحصل للأسف؛ إذ هناك شرائح من البشر ولن أقول فقط متقصدين بل أناس يقومون بذلك بلا وعي ودون إدراك، هذه النوعيات تعتبر كل شيء تقوم به الدولة «واجباً» عليها بل هي «ملزمة»، ويخرج عليك شخص هنا وهناك ليقول إن ما تفعله «غصباً عليها» القيام به، في خطاب مخجل لا يمكن وصف أصحابه إلا بـ«الجحود» و«النكران».

من يحس بقيمة الشيء هو من كان يملكه ثم فقده، من كان متنعماً ثم فجأة ينقلب حاله، فيكون ديدنه الدائم التحسر على ما كان لديه ولسانه يردد «ليت الزمان يعود يوماً»، ولذلك كانت دعوة الله عز وجل لعباده دائما أن «يحمدوه» على نعمه، وحثهم له أن يتعوذوا به من «زوال نعمته».

الأوطان المستقرة «نعمة» لا يعرف قيمتها إلا من فقد وطناً، إلا من عانى وطنه من الويلات والمصائب، وأجزم أن كثيراً منا صادف أفراداً من شعوب أخرى حديثهم معه جعله يستوعب «تقديرهم» لما يملكه هو في وطنه، لربما جعله يفتح عينيه على ما يملكه في بلاده، وما يوفره له وطنه وفي المقابل هناك شعوب تود لو أن لديها ربع ما لديك في وطنك.

البحرين كدولة ووطن ما تقوم به تجاه شعبها ومن يقيم فيها ليست أفعالاً هي مغصوبة عليها حتى يأتي في النهاية أصحاب أفواه مشرعة ليتفلسفوا عليها بالقول، بل ما تقوم به بلادنا منذ الأزل تجاه شعب هذه الأرض أفعال من منطلق مسؤولية وحرص عليهم، من مبعث ما ينص عليه ديننا «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

أنصحكم يومياُ بأن تنظروا في أحوال دول وشعب هي أدنى منا معيشة واستقراراً، انظروا إلى دول غاب عنها الأمن، وضاعت هويتها، لا خدمات مستقرة فيها، ولا أعمال ولا أموال ولا تأمين لمستقبل جيل حالي أو قادم، ستجدون أمثلة يندى لها الجبين، في مقابل ذلك قارنوا بما نملكه في البحرين، قارنوا بنعمة الأمن، بنعمة الدولة ذات المؤسسات والتنظيم الإداري، بنعمة وجود الوظائف وتأمين الحياة وسير عجلة الاقتصاد، بنعمة الخدمات التي تقدم للناس، فقط أبسط مثال فكروا فيه كعمليات تنظيف البلد يومياً من المخلفات وتخيلوا لو يوما أو اثنين توقفت هذه الخدمات ما حالنا. فكروا لو توقفت رواتب الناس نتيجة غياب أمن أو انهيار اقتصادي لا سمح الله، فكروا بكل شيء تملكونه مهما صغر، ستجدون أننا في نعمة العيش في وطن ندعو له دائماً بالأمن والاستقرار.

حتى في موضوع كورونا الذي نمر به، كل تفصيل صغير حصل، كل جهد بذل، وكل ما قدمه الوطن لنا هي «نعم» كتبها الله لنا ووفق لها ملكنا الغالي وولي عهده الأمين حفظهما الله.

وطني منذ فتحت عينيّ ويومياً يقدم لنا «النعم» ويقدم لنا سبل الحياة الآمنة الكريمة، ولكل هذا لا بد أن نكون ممتنين، ولا بد من تذكير الناس بألا يستصغروا وينسوا النعم، فأما بنعمة ربك فحدث، وحفظ الله لنا بلادنا الطيبة.