والله لا نريد أن نذكركم بخسائركم وفشلكم، فلسنا من الشامتين، ولكن اعذرونا إن اضطررنا للرد عليكم، فمن طرق الباب عليه أن ينتظر الجواب.

إذ يذكرني جمهور مصفقي ومؤيدي «الربيع العربي» بردة فعلهم على خسائرهم لآخر معاقل ربيعهم في تونس، بالفريق الخاسر في مباراة كرة القدم الذي يضع اللوم على الحكم لأنه لم يحتسب لهم ضربة جزاء، في حين أن فريقهم خاسر عشرة صفر!!

هم ذاتهم من يحرض على العنف الآن في تونس؟ من يبرر لهم؟ هم ذات الفريق الذي وقف تحت لافتات «باقون حتى يسقط النظام» في مصر وتونس والبحرين، هم فلول خدم إيران وتوابعهم، وتوابعهم أي من خدم الخدم الإيراني، من قوميين ويساريين عرب أضاعوا بوصلتهم، ومن أخوان مسلمين، ومعهم يجري في مسارهم النظام القطري وقنواتهم وإعلامهم، باختصار هم ذات الفريق الذي خسر مواقع كسبها في ربيعه العربي.

جميعهم يرون أن سبب خسارتهم أن «الحكم» سواء -بفتح الحاء أو بضمها- حرك جماهير (روبوتية) مقابل لجماهير الربيع العربي البشرية!!

هم يؤمنون أنه لا وجود للجماهير المعترضة المضادة الرافضة لنهجهم، لا وجود لبشر رافض لهم، أي معترض عليهم لا استقلالية في رأيه، لا مرجعية لتفكيره، كل الجماهير التي خرجت في مصر في 30 يونيو وفي 21 فبراير في البحرين وتونس اليوم جميعها جماهير يتم تحريكهم من قبل الحكم!!

ألوف مؤلفة كلهم جاءتهم ربما رسائل على الواتس آب تقول لهم اخرجوا للشارع واعترضوا على ملائكة الربيع العربي، الغريبة أن أي من تلك الوسائل التي حركت الجماهير المضادة لهم لم تصلهم، فلم يتواصل معهم أحد، فسبحان من قسم الجماهير وجمع الجماهير الثانية وانتقاهم!! وهكذا هم يرون أن جماهير الفاتح التي خرجت من بيوتها في البحرين في 21 فبراير 2011 وتجمعت قد «تم تحريكها» .

الآن عرفنا الجواب لسؤال كان محيرنا عن سبب غياب القاعدة الجماهيرية لتلك (النخب) المثقفة؟ ما الذي نفر الناس منهم؟ لِمَ مراكزهم خاوية ومقراتهم تصفر إلا منهم هم ذاتهم (نتحدث قبل الغلق) رغم أنهم في (بونك) معاقلهم وفي دوائرهم العابقة بتراث أفكارهم ونهجهم منذ عشرات السنين؟

السبب هو هذا الجمود العقلي، هذا التحجر الفكري، هذا اليبوس في مفاصل الحركة، السبب عمى ألوان وعشي في الرؤية الليلية، غياب الاتصال بالواقع، فإذا كنتم تعتقدون وتصدقون فعلاً أنه لا معارضة حقيقية أصلية لأفكاركم ولنهجكم وأن الأرض والملعب لكم، وأن من يتحرك ضدكم يحركه الحكم لا رأيه المستقل، فلا عجب إذاً إن خلت مقراتكم من المؤمنين بكم.

في المرات القليلة والمحدودة التي واجهتم الواقع وعرفتم أنكم تحدثون أنفسكم، كان خياركم للنجاة والوصول والحصول على مقعد أواثنين تبعتم التابع، اخترتم أن تكونوا ملحقاً، وبدلاً من إعادة النظر في منهجكم وفكركم كخيار ثانٍ، قبلتم بذل التبعية وليتهم عبروكم.

إنما ركبوا على ظهوركم واستغلوكم وسفهوا لكم، وجربتموهم بدل المرة اثنان، وسألناكم حينها بعد التجربة الثانية الفاشلة نفس سؤال خالد النفيسي لسعد الفرج بعد زيارة حسينوه في المستشفى (أنا يوم سلمت عليه تفل بويهي انت راز ويهك عقبي ليش؟) بمعنى أنك تعرف النتيجة مسبقاً ومع ذلك تسير على نفس الخط، فهل كنت تتوقع نتائج مغايرة؟!

نشعر بالشفقة حقيقة لا عليكم بل على عراقة إرث وتاريخ مقاوم للوجود الأجنبي محارب للاستقلال والحرية، حملتموه بالوراثة ولم تحفظوا له أصالته ونقاءه، وقبلتم بتبعيتكم لتابعين، وقبلتم إلحاق تاريخكم وإرث ورثتموه ولا فضل لكم فيه لمن يأخذ قراره من الخارج، وذلك قبول بموقعكم الدوني سياسياً، وهو قرار مستقل لم يلزمكم أحد به، هو الذي جعلكم على مسافة بعيدة جداً عن الواقع وما يجري على الأرض حتى اعتقدتم أن ملاين الجماهير العربية في كل الدول التي اعترضت على نهجكم هي جماهير يتم تحريكها، والله إننا لنرفع العقال لمن له القدرة على تجميع تلك الألوف والملايين ضد حلفائكم، أما أنتم فلا حاجة لتجميع حتى قاطني (فريج) كي يتغلب عليكم.