افتتح الدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام، اليوم الاثنين الموافق 25 مايو 2015 بمقر معهد الدراسات القضائية والقانونية، فعاليات الدورة التدريبية في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية، والتي تنظمها النيابة العامة بالتعاون مع شبكة المدعين العامين العالمية لمكافحة الجرائم الالكترونية، والتي تستمر على مدار ثلاثة أيام، والتي يشارك فيها لفيف من أعضاء النيابة العامة ونظرائهم من دول مجلس التعاون الخليجي، والمعنيين داخل المملكة، ولفيف من الخبراء الدوليين المتخصصين في هذا المجال، وتتناول الجريمة الإلكترونية، وما يصاحبها من تهديدات وتحديات، وتجريم الممارسات الإلكترونية الخاطئة من خلال التشريعات الدولية والمحلية، فضلاً عن استعراض لدور السلطات والأجهزة المعنية في تحقيق تلك الجرائم.
وقال الدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام في ورقته، الحمد لله الذي خلق العلم، وحض على التعلم وجعله فريضة، فكانت أول أية تنزل بها الوحي الأمين، على المبعوث رحمة للعالمين، بل وأول كلمة في كتاب الذكر الحكيم هي ( إقرأ )، فقال وصدق الله فيما قال { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}.
حرصاً من نيابة مملكة البحرين، على مواكبة أخر التطورات في مجال العمل القضائي، ويقيناً من بأن الإعداد الجيد هو خير السُبل للنجاح والتقدم، وأن التطوير سُنة أساسية وقاسم مشترك لكل عمل ناجح، أو يبتغي مواصلة النجاح والحفاظ عليه، لذا كان حرصنا على عقد الدورة التدريبية مجال مكافحة الجرائم الالكترونية، وانه لمن دواعي سروري واعتزازي أن نلتقي اليوم في افتتاح هذه الدورة، ففي مجتمع تسارعت فيه وتيرة التقدم التكنولوجي إلى أقصى مداها، وتلاحقت الابتكارات والتقنيات الحديثة، ولم تعد بحاجة كما مضى لسنوات متعددة لاكتشاف جديد في مجال الاختراعات والاكتشافات وتطويرها، بل بات التطوير والتسارع فيه من ساعة إلى ساعة، وقد كان لمجال التقنيات الإلكترونية النصيب الأعظم من هذا التطور، منذ أن اكتشفها الإنسان، مع عصر الحاسوب الأول، وقد اكتشف بمرور الوقت على هذا الاختراع العظيم، أن التقنية الإلكترونية، هي القاسم المشترك، والمساعد الأعظم في كل ما تلاها من اختراعات وابتكارات، فكانت فتحاً علمياً عظيماً، ونقلة نوعية في مجال العلوم تُعد من أعظم النقلات التي مرت بحياة الإنسان حتى وقتنا هذا، فساعدت على تيسير التعاملات بأنواعها، وساهمت في الارتقاء بمختلف جوانب الإنسان الحياتية واليومية والعملية، فأصبحت القاسم المشترك في عمله ومنزله، وحِله وتِرحاله، وكل ما يتعلق بشئونه، حتى باتت من الأهمية بمكان، بحيث لا يمكن الاستغناء عنها.
ولأن النفس البشرية تتراوح ما بين الخير والشر، فلا تتساوى النفوس، فتنعم البشرية بخيرها، وتشقى بشرها وإجرامها، فلم تكن الأمور جميعها إيجابية خالصة، فكما يسعى البعض للتطوير فيما يفيد، يُسارع البعض الأخر في ابتداع وسائله الإجرامية وتطويرها، وهنا يأتي دور التشريع، والجهات القائمة على تطبيقه وتنفيذه، بأن كان عليها واجب مواكبة ذلك التطور الإجرامي لحظة بلحظة، حتى تتمكن من مجابهته، والتعامل معه والحد من أخطاره.
ولعل مملكة البحرين كانت سباقة كعهدها في هذا الشأن، حيث سعت مبكراً للاستفادة من ذلك التقدم التكنولوجي في مختلف شئونها، وصولاً إلى نظام الحكومة الإلكترونية، ولم يشغلها ذلك التطور، عن أن تفطن أيضاً للجوانب السلبية من ورائه، والأخطار الناجمة عنه، فكانت أن استحدثت المرسوم بقانون رقم 28 لسنة 2002 بشأن المعاملات الإلكترونية، للاعتراف بتلك المعاملات والأخذ بها، فنص على الاعتراف بالسجلات الإلكترونية وجعل لها ذات الحجية المقررة في الإثبات للمحررات العرفية, وعدم إنكار الأثر القانوني للمعلومات الواردة فيها, من حيث صحتها وإمكان العمل بمقتضاها، وهو ما يسري أيضا على التوقيع الإلكتروني من أحكام، وتضمن هذا التشريع كافة ما يتعلق بالمعاملات الإلكترونية وتقنين قواعد التعامل بها، كما نص على تجريم أي انحراف في مجال التعاملات الإلكترونية، وما يتعلق بها من جرائم مثل نسخ أو حيازة أو إعادة تكوين أداة إنشاء توقيع إلكتروني لشخص آخر، أو الدخول على أداة إنشاء هذا التوقيع دون تفويض بذلك من هذا الشخص وبسوء نية، وتحريف وتغيير واستعمال وإفشاء تلك الأداة، أو استعمال ذلك التوقيع لغرض احتيالي، أو انتحال هوية الأشخاص، وغيرها من الجرائم الأخرى، وجعلها في مصاف الجنايات، وأفرد لها عقوبة مشددة هي السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات، والغرامة التي لا تجاوز مائة ألف دينار، أو إحداهما.
وهو ما يعكس فطنة المشرع البحريني لهذا الخطر، والعمل على مجابهته، بالحزم اللازم لردعه، ومن جانبها عكفت النيابة العامة منذ صدور هذا القانون وتطبيقه، على إعداد كوادرها الإعداد اللازم للإحاطة به، وتطوير قدراتهم بصفة مستمرة، فعقدت لذلك الدورات المجمعة لأعضائها عن طريق استقدام الخبراء المختصين من كافة دول العالم صاحبة الخبرة في هذا المجال، أو إيفاد أعضاء النيابة العامة إلى تلك الدول للمشاركة في دورات وندوات مشتركة معهم، وهو ما ساهم في تطوير عمل النيابة العامة في تلك النوعية من الجرائم، وصولاً إلى تقديم عدد كبير من قضاياها إلى المحاكمات الجنائية، وصدور الأحكام المشددة فيها، بما يعني انصهار أعضاء النيابة العامة في بوتقة هذا التطور، وإلمامهم به وبكل جوانبه، وهو ما نسعى إليه، ونعمل على تطوير أنفسنا وفقاً لكل مستجدات ومتغيرات، وتنمية قدراتهم لتكون مواكبة لكل حدث، غير بعيدة عنه.
وفي نهاية كلمتي لا أملك سوى توجيه خالص الشكر والتقدير لكل من ساهم في إعداد هذه الفعالية، وكل من شارك فيها محاضراً أو دارساً أو داعماً، داعين الله لكم بالتوفيق والسداد، وأن يكلل عملكم بالنجاح، وتحقيق ما نطمح إليه جميعاً من خلال هذه الفعالية، لتكون سطراً ناصعا في تطوير العمل على مكافحة تلك الجرائم، والمساهمة في القضاء عليها أو الحد منها ومن أخطارها علينا، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.