من منا لم يلاحظ تغيراً في تركيز الدماغ والقدرة على التذكر منذ بداية الجائحة حتى يومنا هذا؟ قد يتفق معي البعض على ذلك وقد يختلف البعض الآخر؛ فعلى الرغم من اكتشاف وتحديد علماء النفس لهذه الظاهرة من خلال دراستها فإن المسألة لا تزال نسبية وتتفاوت من شخص إلى آخر، فهناك من لاحظ ضعف تركيزه العقلي وكذلك لاحظ ذلك على من حوله وهناك من يعتقد أن تركيزه كان ولايزال جيداً. لقد أطلق العلماء اسم (دماغ الجائحة) على هذه الظاهرة التي تتعلق بفقداننا طاقاتنا ونشاطنا العقلي بسبب جائحة فيروس كورونا.

قال مايك ياسا مدير مركز "إرفين" للبيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة في مقال مفصل حول الموضوع نشر من خلال سكاي نيوز العربية منذ قرابة شهر تقريباً والذي ناقش هذة الظاهرة: (سيستغرق الأمر بعض الوقت للتعافي من هذه الظاهرة التي أثرت فينا جميعاً؛ فالتدهور العقلي الذي تكبده كثير منا على مدار فترة الجائحة ليس بالقليل. كما أن الوباء لم يكن مجرد حدث مرهق بل يتعدى ذلك لكونه يصنف كارثة عالمية؛ فقد كان عبارة عن مجموعة من الضغوط المفاجئة والمتزامنة، بعضها يهدد الحياة والبعض الآخر كان أشبه بكوابيس لا تنتهي والتي تفاقمت بسبب الاضطرابات في نشاطنا البدني والإيقاعات اليومية والروتين، وامتدت على مدى شهور طويلة. ولكن مايك ياسا يؤكد أننا سوف نتعافى من هذه الظاهرة، بل أننا على طريق التعافي على الرغم من أن ذلك لن يحدث على الفور. وذكرت باربرا ساهاكيان، أستاذة علم النفس العصبي السريري بجامعة كامبريدج : "لقد رأينا تغيرات في الحجم في مناطق الدماغ الصدغية لدى الأشخاص الذين انعزلوا اجتماعياً". وأكدت أن هذا التأثير مضر بشكل خطير في العمليات التي نعتمد عليها للتفاعل مع الآخرين ومع العالم من حولنا.

الخلاصة، بغض النظر عن كوننا نتفق مع هذا الدراسة أم لا وبغض النظر عن كوننا نستشعر أهمية معرفة مدى تأثر أدمغتنا من عدمه وإصابتنا بهذه الظاهرة، معروف أن الضغط النفسي والقلق يمكن أن يكون خطيراً على صحتنا الجسدية والنفسية، وخاصة عندما نعيش ذلك فترة طويلة من الزمن، ويجب ألا ننسى أيضاً أن (التعرض المطول للكورتيزول وهو هرمون التوتر الأساسي في الجسم يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب واضطرابات النوم وحتى اضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب)؛ فقد تم ربط الإجهاد المزمن علمياً بقتل خلايا الدماغ، وحتى تقليص حجم قشرة الفص الجبهي، وهو جزء من الدماغ المسؤول عن الذاكرة والتركيز والتعلم، لذلك بغض النظر عن إصابتنا بدماغ الجائحة أم لا، فإن ما يهم هنا هو أننا تأثرنا كثيراً بسبب معايشتنا للجائحة فترة طويلة مليئة بالتوترات والضغوط، ولا بد من الاعتراف بذلك وطلب المساعدة الطبية اللازمة لترميم ما أفسدته الجائحة حتى نستعيد نشاطنا وحياتنا.