فقدت الساحة البحرينية التشكيلية مؤخرا أحد أهم أعمدة الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي الفنان "عزيز زباري", الفنان الذي لم يتردد لحظة لمد يد العون لمساعدة الآخرين الذين كانوا يحتاجون الدعم والاستشارة الفنية.
نشأ زباري في منزل والده المعروف في الحي "علي عبدالله زباري" في فريج الفاضل بالمنامة المطل على البحر, مختلطا بكل الديانات التي كانت تسكن تلك المنطقة, وترعرع في منزل يحمل الكثير من الرموز والنقوش الفنية كالمرايا المستطيلة, وزجاج النوافذ المنقشة والملونة, التي أتى بها والده من الهند.
كان والده تاجر في البحر ويأتي ببضائعه من الهند, التي كان يبيعها في محل "دكان" صغير في وسط سوق المنامة بيع فيه كل لوازم البحر, كأدوات صيد السمك والأدوات التي يستخدمها صيادي اللؤلؤ, والأدوات التي يستخدمها العاملين لنقل البضائع, كذلك بالنسبة للبضائع الفارسية كقناني ماء الورد.
كان الراحل زباري يجلس في دكان والده الذي كان لا يهدا من المشترين كأصحاب السفن والغواصين, ليلعب باللعب التي كان والده يحضرها من الهند كالمراكب الخشبية الصغيرة, والمسامير أو الثقل الذي يربطه غاصة اللؤلؤ في أقدامهم للنزول في قاع البحر، أو بسنارات الصيد "الميادير", كما كان يستمتع بشرب القهوة التي كان يحضرها صباب القهوة مشيا من المقهى الشعبي في حي أبو صرة بالمنامة، طائفاً بجميع الدكاكين بالسوق.
وكان زباري في صغره يلعب مع الجالية اليهودية آنذاك دون تفرقة حيث كان التعايش والسلام, وكان الأطفال يدخلون بيوتهم ويحضرون احتفالاتهم الدينية دون يوم السبت لصوم الجاليات اليهودية هذا اليوم.
عمل الراحل زباري مدرسا للرسم في منتصف الستينات، الفترة التي كنت فيها طالباً في المدرسة الثانوية بين عام 1965 إلى 1967، وكان من أبرز أعضاء أسرة فناني البحرين, ونظراً لتصدر أسرة هواة الفن التي تحول اسمها فيما بعد إلى أسرة فناني البحرين، النشـاط والـوسط الثقافي والفني مطلع الـستينات من القرن العـشرين، وفي ظل تنوع وتعدد نشاطاتها الفنية كالمسرح والموسيقى والغناء، استطاعت هذه المؤسسة الأهلية المستقلة والوحيدة من نوعها في البحرين ودول الخليج آنذاك، من استقطاب مجموعة مهمة من الفنانين والهواة، من مختلف مناطق البحرين، وتشكلت من بينها مجموعة مميزة من الفنانين التشكيليين، لتكون من تلاحمها أول نواة صلبة من التشكيليين المحليين، وكان من أهم أعضاء هذه الطليعة من الفنانين التشكيليين، عزيز زباري والمرحوم راشد سوار وإسحاق خنجي والمرحوم حسين السني وعبد الكريم العريض وراشد العريفي وناصر اليوسـف وأسامة صالح وعبدالكريم البوسطة وأحمد باقر.
أثر الفوتوغرافي يوسف قاسم ابن الحي في عزيز زباري كثيراً حيث كان يقف ليراقبه يصنع تماثيل من الطين، تشبه تماثيل غرناطة، لمسرحية عبدالرحمن الناصر, التي عرضت في النادي الأهلي حينها، وكان يدخل بيت يوسف قاسم ليشاهده وهو يمارس عمله الفني كل يوم تقريباً، ومن هنا بدأ شغفه وحبه للفن بشكل عام والتصوير الفوتوغرافي بشكل خاص.
أحب زباري أثناء دراسته مادتي الجغرافيا والتاريخ اللتين درسهما له الأستاذ الفلسطيني "جارودي", وقد وجد نفسه قريبا من أستاذ مادة الرسم "أحمد السني"، ومن قبله الأستاذ "يعقوب" المتحدر أصول عراقية، وتعلم فن الخط من الأستاذ "سيد رضي" ومن الخطاط البارز "خليل زباري".
أسس مدرسه المصري الجنسية "سامري" أسرة صغيرة، عرفت باسم "أسرة التصوير الفوتوغرافي" حيث كان زباري من أول المنتمين إليها لأنها كانت فرصته الذهبية كما وصفها, وقد اتخذت تلك المجموعة مساحة صغيرة داخل عريش بجوار بيت العريض كان يستخدم مكتبةً للقراءة، لتكون أول استوديو في هذه المدرسة, مع منع المدرس سامري الطلبة من لمس الكاميرا الوحيدة في المدرسة, ولكن فرحة المجموعة لم تدم حيث قام مجموعة من اللصوص بكسر باب العريش وسرقة كل محتويات الأستوديو بما فيها الكاميرا الوحيدة في المدرسة.
ظلت فكرة اقتناء كاميرا خاصة به حلماً يراوده, كان ذلك شعورا مؤلماً كما وصفه عزيز, ففكر باستغلال مهاراته الفنية بشراء الورق الشفاف، ليطبع عليه الرسومات الهندية ليبيعها على النساء اللواتي ينسجن الزخرفة والزهور على المفارش القطنية التي توضع في مجالس النساء وفرشات العرس، وأستطاع أن يجمع بعضا من المال الكافي ليتوجه بعدها لمتجر يدعى "أشرف" بالمنامة ليشتري أول كاميرا من نوع "كوداك" وهو لا يزال في الصف السادس الابتدائي.
أعتاد الراحل زباري كل يوم بركوب دراجته الهوائية وحمل كاميرته على كتفه ليتجه بها إلى عين عذاري, ليسبح في ماء العين البارد, ومن ثم يبدأ رحلة التصوير لعين عذاري وعين قصاري, والرجال الذين يغسلون مواشيهم.
أنهى عزيز الصف السادس، ليعمل بعدها في شركة النفط "بابكو" لمدة عام واحد, ثم قام بتقديم استقالته ليعمل مدرسا بمعارف حكومة البحرين، تحديدا بمدرسة المعامير الابتدائية التي لم يستمر بها لأكثر من عامين، ثم نقل بعدها إلى مدرسة السلمانية لنشاطه الملحوظ، والتي لم يستمر بها أيضا كثيرا لنزاعاته المستمرة مع مدير المدرسة, ثم نقل على أثرها إلى المدرسة الثانوية الوحيدة في البحرين عام 1960 وهي مدرسة المنامة، وفي عام 1962 عُين مشرفاً إدارياً من قبل مديرها عبدالملك الحمر، وبجانب عمله الإداري كان يدرس مادة الرسم, حيث كان كثيرا ما يحضر عددا من الفواكه لكي يرسمها الطلاب.
تحتوي حياة الفنان التشكيلي القدير الراحل عزيز زباري على العديد من الأحداث الموجودة من الذاكرة والتي تحتاج إلى مئات الصفحات لكي نملؤها بحياة الراحل زباري الخصبة, التي أزهرت الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي منذ الثلاثينات حتى يومنا هذا.