ذهب أهل الغدر بغدرهم، وانتهت سيرة الفاسقين بما صنعوا وانكشف معدن أهل النفاق وحفظت سيرتهم العفنة عبر التاريخ، وبقي الحسين خالداً بذكره وسيرته العطرة حتى قيام الساعة.

هل نبكي الحسين ؟ نعم نبكي.. من قال فيه وفي أخيه الحسن خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي» (حديث حسنه محققو المسند). فحب الحسن والحسين صفة من صفات الإيمان، واستذكار سيرة سيدي شباب أهل الجنة تجديد لمحبتهم وإبقاء لذكرهم على مر العصور.

لما لا نحزن في من كانوا أحبَ الناس إلى رسول الله، ولو شهدنا حزن رسول الله عبر السيرة النبوية العطرة لوجدناها مواقف مبكية يقف عندها المرء بكل تأمل وألم، فلم لا نحزن؟ والموقف لم يكن مجرد موت والسلام، بل غدر وخيانة وظلم، فحين توفي ابن رسول الله إبراهيم قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، وعم الحزن المدينة وقلب رسول الله يومها، حتى قال الناس أن كسف الشمس كان لموت إبراهيم.

ولا أتكلم من باب الفقه والفتوى، فأنا لست من أهلها، بل من باب التفكر والتدبر بالعقل والوجدان. فشهر محرم يحمل للمسلمين عامة عدة معانٍ وعبر، منها يوم أنجى فيه الله موسى من فرعون، وحادثة استشهاد الحسين رضي الله عنه. تاريخ لا يمكن إنكاره وليس هناك من يقول خلافَهُ، لأن يزيد بن معاوية المسؤول عن مقتل الحسين، وبالرجوع لأهل العلم نستخلص أن موقف أهل السنة فيه هو أنه لا يُسب ولا يُحب (قول ابن تيمية)، كما أن الإمام أحمد ابن حنبل قال فيه (وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وهذا هو موقف أهل السنة من قتلة الحسين، نبغضهم ولا نحبهم ولا نحسبهم من الصالحين، إلا أننا نترك أمرهم لله يحكم فيهم.

والواقع والأصل أن ذكرى استشهاد الحسين تعني كل مسلم ومحب لرسول الله، وليست ذكرى سنية أو شيعية، بل هي ذكرى إسلامية خالصة، وأن هذا اليوم هو يوم يجتمع فيه السنة والشيعة في محبة الحسين واستذكار سيرته العطرة، واستحضار شجاعته وأخلاقه. فلا الغدر من شيم الحسين ولا جده الكريم، ولا سوء الخلق من صفاتهما.