تنبه نور الشريف باكراً إلى أهمية الدراما التلفزيونية لامتلاك قاعدة جماهيرية مهمة لأي فنان يريد أن يصل بشكل أعمق وأسرع إلى بيوت وقلوب الناس، وكانت بداياته الأولى في مسلسل «القاهرة والناس»، تلته سلسلة من الأعمال المميزة والناجحة مثل: مسلسل أديب وعمر بن عبدالعزيز ولن أعيش في جلباب أبي وهارون الرشيد والحاج متولي والرجل الآخر والحرافيش والرحايا، وغيرها من الأعمال الدرامية التي جعلته يتربع على عرش الدراما العربية ويصبح الحصان الرابح في الأعمال الرمضانية لكل عام.

أما على الصعيد السينمائي ففي منتصف السبعينات خاض نور الشريف تجربة الإنتاج السينمائي وأنتج أهم الأفلام في السينما المصرية التي عبرت عن نضجه الفكري وناقشت قضايا هامة منها: دائرة الانتقام، ضربة شمس، حبيبي دائماً، آخر الرجال المحترمين، زمن حاتم زهران وأخيراً ناجى العلي هذا الفيلم الذي هوجم بشراسة لقيامه بإنتاجه وتمثيله بشكل فاق قدرته على التحمل فقد أفردت الصحف الكبرى صفحاتها للنيل منه والتشكيك في وطنيته واتهامه بالخيانة بشكل متواصل لعدة أشهر، كما تم منع أعماله من العرض في بعض الدول العربية وتخلى الكثير من الأصدقاء عنه في هذه الأزمة الشديدة إلا ما ندر، مما جعله يشعر بالمرارة ويصاب بالخذلان ويفكر بالاعتزال والهجرة، ومن أقذر حملات التشويه التي تعرض لها بهدف اغتياله معنوياً هو الخبر الذي ظهر في صحيفة صفراء مغمورة اتهم فيها زوراً وبهتاناً بممارسة الشذوذ الجنسي، وهو ما لم يصدقه الجمهور وهو ما ترك بداخله جرحاً غائراً ظل يلازمه حتى آخر يوم في حياته.

بقي فترة طويلة معتزلاً اللقاءات الصحفية والإعلامية، وكانت أول مقابلة يعود بها مع صديقه المخرج عمر زهران الذي ألح عليه بالرجوع، وعبر في بداية اللقاء عن استيائه وامتعاضه من الأساليب الحوارية التي بدأت تظهر مع بروز الفضائيات الخاصة والتي تجعل من النجم متهماً يجري التحقيق معه لإدانته وإذلاله والتعرض لتفاصيل علاقاته الشخصية بهدف زيادة عدد المشاهدات والإعلانات، وهو ما يحط من قدر الفنان الذي يكرس حياته من أجل إمتاع الناس والتعبير عن همومهم ومشاكلهم، ودائماً ما كانت ملاحظته وتحليلاته في محلها وبها استشراف للمستقبل، فمثل هذه الظواهر الإعلامية الدخيلة على أخلاقيات المهنة بدأت بالفعل تغزو الفضائيات العربية بشكل أكبر لاحقاً.

كان واضحاً على ملامحه الحزن والاكتئاب من واقع أصبح لا يشبهه، وكان آخر أعماله السينمائية فيلم «بتوقيت القاهرة» وبدا فيه وقد وهن جسده وظهرت عليه علامات المرض ومع ذلك فقد أدى دور الرجل المسن المصاب بالزهايمر بأروع ما يمكن، أما آخر مسلسلاته «خلف الله» فقد أدى فيه دور الشيخ الصالح ذو الكرامات والمبادئ واعتقد بأن اختياره لهذا الدور هو انعكاس للجانب الديني والروحاني الذي تملكه بعد أدائه لشخصية الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي أعجب به وتأثر بعدله وزهده وسيرته فكانت آخر وصية له قبل وفاته أن يعرض بعد رحيله في القنوات المشهد الأخير لوفاة «عمر بن عبدالعزيز» الذي مثلت له لحظة تنوير ربانية واعتبره أهم عمل قام به على الإطلاق في حياته. رحم الله نور الشريف آخر الرجال المحترمين.