^  لأن البحرين كدولة ونظام استهدفت ضمن مؤامرة انقلابية طائفية عنصرية فإن المخلصين وقفوا موقفاً مضاداً لها، رافضين التهاون بشأن أرضهم لتسلم لأجندات خارجية، ورافضين في الوقت نفسه الإساءة للحكم باعتباره المرتكز الأول من مرتكزات تثبيت الحكم الشرعي للدولة وضمان استقرار مواطنيها. البحرين منقسمة اليوم بين عدة جهات، هناك من يحاول مواصلة سعيه لإلغاء الدولة العربية الخليجية وإبدالها بدولة “مسخ” يفصلها حسبما يريد ويشاء مستغلاً شعارات “الديمقراطية” و«الإصلاحات” لينفذ من خلالها أجندته. وهناك من يقف مدافعاً عن البلد ورافضاً لهذه الممارسات وداعياً الدولة في الوقت نفسه لاتخاذ التدابير القانونية بحق من أجرم بحق الدولة ككيان وانطبقت عليه المواد والنصوص القانونية الداخلة في جرائم الانقلاب على الحكم وإشاعة الإرهاب واستهداف الأمن. ناهيكم عن أطراف أخرى تقف موقف “المتفرج المتردد” تفكر ألف مرة قبل أن تسجل موقفاً ولو بالكلام. وسط كل هذه الجهات تقف الدولة، وهي تتحمل المسؤولية الأكبر في المضي بهذا البلد إلى وضع يكاد يقارب الوضع السابق الذي كنا نعيش فيه، أقلها على مستوى الأمن الاجتماعي. ما هي التدابير المطلوب اتخاذها من قبل الدولة لتحقيق كل ذلك، بالأصح لاستعادة البحرين التي نعرفها؟! العجلة السياسية ماضية في الدوران ولم تتوقف، وها هو المجلس الوطني يقر التعديلات الدستورية وسيصادق عليها جلالة الملك حفظه الله الخميس القادم، في وقت تمضي فيه السلطة التنفيذية (الحكومة) للقيام بمهامها في التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين. لكن رغم ذلك كله فإن أحد أبرز مقومات الدولة المدنية الديمقراطية الناهضة مازال مفقوداً اليوم في البحرين، ونعني ذلك عامل “الأمن” الذي بات بالفعل مفقوداً، حيث تحولت مناطق بعينها في البحرين إلى بؤر إرهابية ومسارح للمواجهات اليومية المفتعلة مع قوات الأمن. من يريد الإصلاح لا يخرب بلده، ومن يريد الديمقراطية لا يلغي غيره، ومن يريد ممارسة السياسة لا يجنح إلى العنف والتخريب، ومن يريد الوطن لا يتحرك بأوامر خارجية ويدعو “الغريب” للتدخل في بلاده. كلها ثوابت يعرفها الجميع، لكن هناك من لا يلتزم بها لأن الديمقراطية بالنسبة له شعار لا يقوى على تطبيقه، بل لا يستسيغ بموجبه أن يستمع لآراء مخالفة أو مواقف لا تعجبه. الدولة عليها اليوم أن تضمن حقوق مواطنيها والمقيمين فيها خاصة من الناحية الأمنية، عليها أن تعزز ثقة هؤلاء بأن الدولة قادرة على تطبيق القانون دون مواربة وأن يتساوى الجميع أمام القانون دون استثناء. إن كانت البحرين قد نجت من محاولة انقلابية صريحة، وإن كانت نجحت في إدارة الأزمة بطريقة واقعية حصيفة من خلال إقامتها لحوار وطني تمضي لتطبيق توصياته أو عبر جلب لجنة دولية لتقصي الحقائق تقوم بتنفيذ توصياتها أيضاً، فإن عدم النجاح في السيطرة على العنف المنفلت والإرهاب اليومي من شأنه أن يفقد كل الخطوات السابقة تأثيرها، خاصة وأن الشارع المخلص بدأ “يتململ” مما يراه يومياً، وبدأ يستغرب خاصة فيما يتعلق بإجراءات القضاء بما يوحي بأن جريمة مثل الانقلاب على النظام وأخرى مثل الإرهاب والتخريب لا ترتقي لمستوى “العقوبات المغلظة”. نعم البحرين تمضي عجلتها لتدور في عديد من المجالات، خاصة المجالات الهامة المرتبطة بسير الحياة الطبيعية، لكن كل هذا لن يغير من الواقع الكثير إن كان بمعزل عن تثبيت دعائم الأمن وتطبيق القانون. يفترض أننا تخطينا مرحلة التأثر بما يأتينا من قبل الخارج من أطراف “استحلت” عملية التدخل في الشأن الداخلي البحريني، بالتالي جاء الوقت لـ«تعديل الداخل” من خلال التركيز على الأولويات التي تؤثر في مسلك الناس بالأخص المؤمنين بالمشروع الديمقراطي والمتمسكين بهذه الأرض. لن يحل الوضع البحريني من خلال “كبسة زر” أو عبر “دعوات إعلامية” أو عبر “مبادرات هلامية”، الوضع البحريني يحل من خلال إجراءات ثابتة تستند على القانون وترفض التهاون مع من أخل بواجباته تجاه وطنه ووصل بحراكه لمستوى الخيانة العظمى. ^ اتجاه معاكس.. إن كان مجلس النواب يعتزم التقدم بمقترح لحرمان من يمارس الإرهاب من امتيازات وخدمات تقدمها الدولة، فإنها خطوة -وإن كانت متأخرة- هي تأتي في اتجاه صحيح، ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تنكر على البحرين الإقدام عليها، إذ في كل الدول نجد هناك تفريق واضح بناء على معادلة المواطن الصالح والمواطن الطالح، بحيث تسحب جنسيات وتحرم فئات من خدمات تقدمها الدولة إن ثبت بأن هؤلاء يعملون على “معاداة” الدولة ويحرضون على الانقلاب عليها ويمارسون الإرهاب المنظم يومياً فيها. انظروا للدول الغربية ماذا تفعل بحق فئات تقوم بنفس هذه الأفاعيل، اسألوا بريطانيا والولايات المتحدة عن كيفية تصرفهم مع “الخارجين على القانون”.