^   يعرف الجميع أن البحرين جزيرة، وبما أننا جزيرة يحيط بها البحر من كل حدب وصوب، فمن الطبيعي أن يمتهن غالبية سكانها الصيد كمصدر رزق وحيد لهم، وهذه القصة ليست من نسج خيالي وليست من بنات أفكاري، بل يشهد على ذلك التاريخ ورحلات الغوص المرعبة التي أسسها الأجداد منذ قديم الزمان. إن أهل المناطق الساحلية هم أكثر أهل هذه الجزيرة الطيبة دراية بالبحر وأسراره وخباياه، فهم يعرفون طرقه أكثر مما نعرف نحن كل طرقاتنا اليومية التي نسلكها على اليابسة، بل ولحميمية علاقتهم بالبحر أدركنا جيداً أنهم يعرفون كل الأسماك والمصائد والفشوت والجزر المتناثرة في عرض بحرنا الجميل، ويعرفون كل شبر من مياه جزيرتنا، حتى لو كانوا يسيرون في ظلمات بحر لجي. توارث البحرينيون مهنة الصيد أباً عن جد، بطريقة احترافية (تُدَرَّس)، حتى صاروا لأهل الخليج العربي مضرباً للأمثال في الصيد وخوض غماره، وفي لحظة غادرة ولعدة أسباب غادرت المهنة أصحابها، وها هم اليوم يعانون الأمرَّين في صيدهم، فليست هنالك عقبة واحدة في طريق مهنتهم، بل عقبات. إن ملف الصيادين وصندوقهم، يجلس في الوقت الراهن على طاولة لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب، أملاً في أن تتم مناقشته قبل نهاية انعقاد الدور الحالي، وفي هذه الأثناء وقبلها خسر الصيادون الكثير من السمك مع كثير من المال. الصيد الجائر، ومزاحمة العمالة الأجنبية للصياد البحريني في رزقه، وتزاحم كثرة رخص الصيد التي تتجاوز مساحة البحر ومصائد الأسماك كلها، وعدم تنظيم تلك الرخص، إضافة لعمليات الدَّفان الضرورية التي وإن كانت تعطي المزيد من التنمية لليابسة والناس، إلا أنها عادة ما تكون دائماً على حساب البحر وثرواته الطبيعية، فيدفع البحر حينذاك ضريبتها. كل ذلك جعل السمك يهرب من بحرنا، وعلى الضفة الأخرى جعل البحار البحريني عالقاً في البحر، لا يعلم ما هو مصيره ومصير صيده!!. صيادون في شتى مناطق البحرين تحدثوا لنا بحرقة عن همومهم التي لا يريد أحد أن يسمعها، وإن سمعوها لا يقومون بواجبهم في إيصالها للجهات العليا، من أجل إنهاء معاناتهم اليومية. بحرنا يخلو من الأسماك إلا في مواسم معينة فقط، ومصائد الأسماك تتعرض للطمس والتخريب المتعمد، وحتى السمك المسكين لم ينجُ من كافة أدوات الصيد الجائر، تلك الأدوات التي أربكت البحر والصيادين البحرينيين معا، أما الناس فإنهم سيستيقظون يوماً من الأيام على صوت حزين ينعى السوق من الأسماك، لو استمر الحال على ما هو عليه الآن. إن ارتفاع أسعار السمك بصورة خرافية، جعل كثير من أبناء جزيرة الأسماك لا يستطيعون أن يتناولوه كطعام لهم إلا في المناسبات الخاصة، لأنه أصبح بالنسبة لهم باهظ الثمن. ليس هذا فحسب؛ بل سيأتي اليوم الذي لا يستطيع فيه حتى الإنسان الثري أكل هذه النعمة البحرية بسبب عدم وفرته أصلاً. إن أزمة البحر والصيادين ومعهم السمك، قضية تستحق أن نقف عندها كثيراً لأجل دراستها دراسة علمية وموضوعية مستفيضة، لأن هذا الملف ليست من الملفات المغرية الجذابة، فهو لا يغري أحداً في أن يتبناه (خصوصاً في هذه الأيام السياسية)، بينما في الحقيقة يجب أن يُعطى هذا الملف الحيوي نصيب الأسد من الاهتمام، لأنه قضية تاريخ وطن يعج بالبحر وخرافاته وأساطيره، وهو رزق عشرات الآلاف من أهل البحرين، أولئك الذين امتهنوا الصيد من أجل إطعامنا وإطعام أسرهم وذويهم. فهل من متبنٍ لهذا الملف الوطني الذي لا يلمع ولا يكسب شعبية ولا هم يحزنون؟.. من يرفع يده طالباً تبنيه يظل من وجهة نظرنا هو الصادق الحقيقي، والمخلص لبحر الوطن وللبحرين معاً.