إرم نيوز


روت صحيفة ”واشنطن بوست“ الأمريكية القصة الكاملة لطبيب الأسنان الأفغاني الشاب ”فدا محمد“، الذي لقي مصرعه بعد تعلقه بطائرة عسكرية أمريكية أقلعت من مطار كابول الدولي، في أعقاب سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.

وقالت الصحيفة في تقرير نشرته على موقعها إنه ”عندما حاصرت طالبان العاصمة الأفغانية كابول يوم 15 أغسطس الجاري، أبلغ فدا محمد عائلته بما رآه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو أن الولايات المتحدة وكندا تقومان بنقل أي شخص يريد الخروج من مطار كابول“.

مأساة الطبيب الشاب


وأوضحت الصحيفة أن ”فدا محمد“، البالغ من العمر 25 عامًا، لم يذكر أنه سيسعى لذلك، بحسب ما قاله والده ”باياندا محمد“، لأنه لم يعد أبدًا إلى منزله“.

وأشارت إلى أن ”طبيب الأسنان الشاب لم يصل إلى أي من كندا أو الولايات المتحدة، وفي اليوم التالي انتهى به الأمر جثة هامدة على سطح أحد المنازل على بعد 4 كيلو مترات من مطار كابول“.

وسقط الشاب من على متن طائرة عسكرية أمريكية أقلعت من مطار كابول، لترسم واحدة من الصور المأساوية، التي لا تمحى من الذاكرة، في الفصل الأخير من الحملة الأمريكية في أفغانستان، بحسب ”واشنطن بوست“.

وأضافت أنه ”خلال الأيام العشرة التالية، لا تزال الكثير من الأحداث الفوضوية التي شهدها مطار حميد كرزاي الدولي في كابول غير معروفة“.

وتابعت: ”انتشرت مقاطع فيديو التقطها مشاهدون بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مئات الأفغان الذين يلاحقون طائرة عسكرية أمريكية على ممر الإقلاع، في محاولة يائسة لركوبها، والرحيل عن الدولة“.

وأردفت قائلة: ”في أحد مقاطع الفيديو، كان هناك ما لا يقل عن 10 أشخاص فوق فتحات معدات الهبوط، بينما كانت الطائرة تسير بسرعة كبيرة على مدرج الإقلاع“.

وفي فيديو آخر سقطت جثتان من الطائرة أثناء إقلاعها، بينما ظهر في مقطع ثالث ما لا يقل عن 4 جثث ثابتة على مدرج المطار، متباعدة بشكل عشوائي على طول المدرج، وكان من بين القتلى لاعب كرة شاب“.

وعلقت ”واشنطن بوست: ”هكذا كانت نهاية فدا محمد“.

وضع أمني متدهور في مطار كابول

ونقلت عن سلاح الجو الأمريكي قوله إن الطائرة ”سي 17“ قررت الإقلاع سريعًا من مطار كابول في هذا اليوم، نظرًا للوضع الأمني المتدهور.

وعثر المسؤولون الأمريكيون في وقت لاحق على بقايا بشرية مدمرة داخل مدار عجلة الطائرة، حيث تعهدت القوات الجوية الأمريكية بإجراء تحقيق كي لا تتكرر تلك الواقعة مرة أخرى.

وتساءل ”والي سالك“، المواطن الأفغاني المقيم في كابول منذ 20 عامًا، عن طبيعة الكارثة التي هبطت من السماء، وأدت إلى سقوط جثتين على الأرض، من بينهما فدا محمد، وكأنه انفجار مدوٍ.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن والد فدا محمد قوله: ”لا أعلم لماذا ذهب ابني إلى المطار في هذا اليوم دون أن يخبرنا، ولماذا افتقد الطيار للإنسانية وقرر الإقلاع بطائرته، حتى مع وجود هؤلاء المتشبثين بها من على الأرض؟“.

وأضاف الأب: ”في هذه الحالة، هل يملك الطيار حق الإقلاع بالطائرة، هل هذا قانوني؟ لقد كان الأمر يشبه قتل ناموسة، وليس بشرًا“.

مشوار علمي لم يكتمل

وقالت ”واشنطن بوست“: ”جمعت العائلة ما يكفي من الأموال كي يستكمل فدا محمد دراسته العليا في جامعة الشفاء الخاصة بالعاصمة كابول، لدراسة طب الأسنان“.

”وبعد التخرج، افتتح عيادة مع صديق بالقرب من ميدان الشهيد في كابول، وكان يحصل على ما يقرب من 200 دولار شهريًا“.

وفي العام الماضي، باع والده المزيد من أراضي الأسرة واستدان بشكل واسع، واقترض حوالي 5 آلاف دولار حتى يتمكن ”فدا“ من الزواج، بحسب التقرير.

من جانبه، قال أحد أقارب ”فدا محمد“ إن الأخير كان يخطط لاستكمال دراسته، والحصول على درجة علمية أعلى.

وأضاف: ”إلا أنه مع اقتراب طالبان من كابول مطلع الشهر الجاري، كان ”فدا“ متوترًا للغاية، ويشعر بشكوك كبيرة إزاء البيئة المضطربة التي ستصبح عليها أفغانستان، وكان هذا نفس شعور الكثيرين هناك“.

وتابع تقرير الصحيفة الأمريكية: ”في الثامنة والنصف صباح يوم 16 أغسطس، ترك فدا محمد منزل العائلة دون كلمة واحدة، وكانت أسرته تعتقد أنه متجه إلى عيادته، لكنه كان يسير نحو نهايته في مطار كابول“.

”رؤية جوية أخرى“

ونقل عن ”أندرو إنمان“، الطيار السابق في سلاح الجو الملكي البريطاني، الذي عمل من قبل في عمليات الإجلاء في أفريقيا، وسبق له الإقلاع من مطار كابول عدة مرات، قوله إن طاقم الطائرة يستطيع أن يرى الأشخاص الذين يقفون أمام الطائرة على ممر الإقلاع.

وأضاف إنمان: ”لكن من غير المحتمل أن يكونوا قد رأوا أو سمعوا أشخاصًا آخرين يتعلقون بالهيكل السفلي لها“.

وعبر عن اعتقاده أنه ”في تلك المرحلة كان هناك ارتباك شديد، ولكن في الواقع، فإن توقف الطائرة كان سيؤدي إلى المزيد من الإصابات والمشكلات الأخرى“.

وقالت ”واشنطن بوست“ إن ”مقاطع فيديو من الموقع أظهرت مروحيتين من طراز أباتشي تحلقان فوق الأرض بمسافة ضئيلة للغاية، وتحاولان إخلاء المدرج أمام الطائرة ”سي 17“.

وأضافت: ”عندما بدأت المحركات الأربعة الضخمة في الوصول إلى ذروتها عند الإقلاع، سقط العديد من الرجال العالقين، وركضوا بجانب الطائرة، إلا أن آخرين تشبثوا بمواقعهم“.

انفجار مدوٍ من السماء

كان ”والي سالك“، حارس الأمن في سوق ”منداوي“ بكابول، نائمًا في منزله خلال فترة الظهيرة، عندما سمع ما قال إنه صوت يشبه الانفجار.

وعندما وصل إلى سطح منزله، وجد جثة ”فدا محمد“ في خزان مياه.. وبالقرب منه كانت هناك جثة أخرى، تم تحديدها لاحقًا على أنها جثة شاب يبلغ من العمر 18 عامًا من شرق كابول.

وأظهر مقطع فيديو صوره نجل ”سالك“ تجمعًا للجيران على السطح حول الجثتين، ووضعوا عليهما بطانيات ملطخة، وتم نقلهما إلى مسجد قريب، حيث قام أحدهم بفحص جيوب الرجلين، ووجد بطاقات هويتهما الوطنية وهواتفهما.

تم استدعاء والد ووالدة وأخوات فدا محمد إلى المسجد، حيث انهارت النساء على جثته حزنًا عليه، وقال أحد أفراد أسرته: ”كان المشهد مثل نهاية العالم، إنها أسوأ لحظة في حياتي“.