إلى من رأى الاعتداء على أمه البحرين فعلاً ولفظاً، إلى من بلغه العلم باقتطاع أجزاء من لحمها وعرضها وأرضها، وإلى من بلغ إلى سمعه الإساءة لها ولشرفها ولسمعتها، واختار بكامل إرادته وعن سبق إصرار التنحي جانباً وعدم الانتفاض غضباً على شرفه وعرضه، والتزم الصمت باعتبار المعتدي أحد أفراد العائلة وليس بغريب، وباعتبار أن الخلاف خلاف كبار، وباعتبار أن الاعتداء بين أهل وأقارب وغداً سيتصالحون فلا يجب أن يثير وهو (العاقل) مزيداً من الفتنة، اسمح لي أبحث لك عن تصنيف آخر غير الرجال.

يخرج علينا الآن من هذا التصنيف الثالث من يذكرنا بحكمته وبعقله وباتزانه، وهو يتابع مشاهد المصالحة الخليجية، بأنه يوم سكت عن الاعتداء على أمه البحرين كان يعرف أن الكبار سيتصالحون يوماً ما وسيبقى من فزع وغضب وانتفض رداً على الاعتداءات خاسراً ولن ينوبه غير الندامة.

اسمح لي .. لم ولن نعرف غير الشهامة والمروءة ولم نرضع غيرها، نحن قوم لا نعتدي ولا (نعيل) ولا نأخذ حقاً ليس لنا ولا نفجر في الخصومة ولا نخلط الأوراق فتزر وازرة بغير وزرها عندنا، ذلك هو العقل والاتزان الذي نعرفه، أي حين لا يتجاوز الطرف الآخر حده معنا، فإن عرف حده سيرى منا ما يسره فلا أحد كالبحريني بكرمه وشهامته ومروءته، هنا ملعب الكرامة الذي نعرفه وهنا ميدان التسامح والرقي، حين يعرف الطرف الآخر قدرك ويحشمك.

إما إن غدر بك الطرف الآخر وامتدت يده على أرضك ومسّك وأهلك بالسوء فعلاً ولفظاً، فننحي ما تدعيه (عقلاً) جانباً ولا نتنحى نحن، وتتصدر الكرامة التي نتنفسها الموقف تنتفض لشرفها، ولا ننتظر أن يوجهنا أحد للوقوف بوجه المعتدي ولا ننتظر جزاء ولا شكوراً يكفي أننا ندوس على تراب هذه الأرض فنعرف قدرها وقيمتها ومكانتها ولا نتنحى جانباً باعتبار سلوكنا حكمة وعقلاً بل تلك من الخسة والنذالة، أن نأكل من خيرها ومن ثم نمسح يدنا بجدارها حين تتعرض للظلم ويساء لها، بانتظار زوال غبار المعارك لنعرف من المنتصر فنحدد موقفنا حينها، أفا .. لا عشنا ولا كنا إن لم نكن أول الصفوف ولا خير فينا إن لم تكن مدافعنا في ظهرنا ونحن قبلها، هذا ما تعلمناه وما شربناه وما غرسناه في أبنائنا.

تحت مسميات ألصقتموها ظلماً بالعقل والحكمة والتأني وعدم إثارة الفتنة، تعودتم وتعايشتم مع الاعتداء على أهل بيتكم وسكتم وتنحيتم جانباً منتظرين النتائج .. اسمحوا لنا فالوطنية عن بُعد تركناها لكم، أما نحن فلنا الفخر بالصدارة ولا نقبل إلا بها.