أيام معدودات ويعود أبناؤنا وبناتنا إلى المدارس بعد عطلة طويلة، وعندها سوف تبدأ أصوات أجراس المدارس تصل إلى مسامعنا في كل وقت وحين.

أولياء الأمور وخاصة من لديهم خمسة أطفال أو أكثر وضعوا أيديهم على رؤوسهم ثم عادوا ووضعوها في جيوبهم حتى يخرجوا آخر فلس أو دينار أحمر منها، فالمصاريف المدرسية لأولادهم وبناتهم بدأت ولن تنتهي إلا بنهاية العام الدراسي، فبعض الشنط المدرسية بلغ سعرها أربعين ديناراً، ناهيك عن الأقلام والكراسات والمقالم والمساطر ودفاتر التلوين والتجليد، وطلبات المدرسين والمدرسات التي لا تنتهي على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم تحث المدارس على تقليل هذه الطلبات ما أمكن رأفة بأولياء الأمور وخاصة الفقراء منهم، لكن «رفيجك أصمخ»، وعلى الآباء أن يدفعوا ويدفعوا دون أن يقولوا «بم».

والمدرسون كذلك دخلوا دوامة التدريس، وما أقسى هذه المهنة رغم قدسيتها، فقد جربتها بنفسي في بداية حياتي العملية لمدة إثني عشر عاماً حتى «طقت» نفسي فاستقلت منها رحمة بأعصابي.

يدخل المدرس صباحاً وهو في كامل نشاطه، لكن شقاوة التلاميذ وكثرة الحصص وانتقاله من فصل إلى آخر تجعله يعود إلى بيته وقد أنهك تماماً وبح صوته وعلت حرارته وارتفع ضغط دمه، لكنه مع ذلك لا يستريح، فالكراسات تلاحقه لتصحيحها، وتحضير الدروس ليوم غد شغله الشاغل بعد الدوام وكشوف العلامات تؤرقه وتحضير وسائل الإيضاح التي تعينه على تدريس مادته تأخذ من وقته الشيء الكثير، فالمدرس أعانه الله جندي مجهول يعمل ليلاً ونهاراً دون أن يحس به أحد وهو يردد في حسرة قول أمير الشعراء أحمد شوقي في المعلمين والمدرسين:

قم للمعلم وفّهِ التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا

أما الطلبة والطالبات فكان الله في عون الصغار منهم في حمل الحقائب المدرسية الثقيلة أو جرجرتها وراءهم، وكان الله في عونهم من المناهج الدراسية الطويلة والمملة، ومن كثرة الامتحانات الشهرية والدورية والسنوية الشفوية منها والتحريرية. وكان الله في عونهم من كثرة الواجبات المدرسية التي لا تنتهي والتي تأخذ جل وقتهم وتحرمهم من التمتع بطفولتهم وبراءتهم .

وكل عام دراسي والجميع بخير وكان الله في عوننا جميعاً .