رغم تعداد القوات العراقية الذي يتقرب من مليوني مقاتل، لا يزال تنظيم داعش الإرهابي قادرا على تعكير استقرار المدن وإحداث خروقات.

فخلال الساعات المتأخرة من ليل الأحد الماضي، هاجمت عناصر من تنظيم داعش مقراً عسكرياً عند قرية جنوب غربي كركوك، ما أسفر عن مقتل 13 عنصراً من الشرطة الاتحادية.



هجوم داعشي يعد الأعنف منذ مطلع العام 2021 وكذلك الأكثر تكتيكاً عندما فخخ عناصره الطريق المؤدية إلى القرية بغية تعطيل وصول الفرق الأمنية المساندة إلى المقر الذي وقع تحت نيران المهاجمين.

لم يكن مستبعداً أن يحدث تنظيم داعش خروقات أمنية في بلاد خسر فيه دولته المزعومة قبل أربع سنوات كما يقول المحلل السياسي نجم القصاب.

ولكن بدا غير منطقي عسكرياً وفنياً أن تكون تلك الخروقات متكررة وتستنزف الكثير من الأرواح والجهود العسكرية في وقت تخصص للقوات الأمنية نحو 18 مليار دولار سنوياً لتجهيزها لوجستياً بأسلحة ومعدات متطورة.

المحلل السياسي والمتابع لتطورات الأمن العراقي، القصاب، أكد أيضاالأ أن الانتهاكات الأمنية التي يحدثها داعش تأتي أغلبها في ظل وجود قيادات عسكرية داخل المفاصل الأمنية أوصلتها "الأحزاب والعشيرة".

ويرى أن غياب المهنية وعدم التدرج الوظيفي في شغل المهام والمسؤوليات انعكس سلباً على الأداء العسكري ومخرجات الأمن واستقرار الأوضاع.

وقال نجم القصاب في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن انهيار المدن على يد داعش وما بعدها من خروقات لم تخرج التحقيقات التي أجرتها الأجهزة المختصة بما "يثلج الصدور" في الكشف عن المقصر ومدى تقصيره.

واستدرك بالقول: "الحصانة من العقاب للقادة العسكريين يفتح شهية داعش على المزيد من الهجمات".

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عزا ما شهدته كركوك من ليلة دامية الأحد الماضي إلى سوء الإدارة العسكرية والاجتهادات غير الموفقة.

لماذا كركوك؟

تمثل محافظة كركوك القابعة عند شمالي العراق ، خليطاً متنوعاً من طوائف متعددة حتى سميت بـ"عراق مصغر"؛ حيث وضعتها الجغرافيا والسياسية عند منطقة صراع ورماد خافت من الممكن في أي لحظة أن يستعر.

وقد دفعت التنازع على مناطقها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان إلى تعطيل الانتخابات فيها منذ عام 2005 التي أجري فيها اقتراع المجالس المحلية.

غير أن الكاظمي استطاع وعقب جهود تحسب لحكومته من تطمين جميع الأطراف في داخل كركوك وخارجها، بضمها إلى بقية الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد نحو شهر.

ويربط الخبير الأمني، فاضل أبو رغيف، هجوم كركوك الأخير بجوانب سياسية ومشاريع انتخابية من خلال تحريك الإرهاب صوب تلك المناطق.

وقال أبو رغيف لـ"العين الإخبارية"، إن "تنظيم داعش دائماً ما يتصيد نقاط الهشاشة والضعف ليس الأمني فقط وإنما السياسي وتقاطع المواقف وخصوصا خلال الازمات ليستغلها بتصعيد خروقاته الإرهابية".

وكما يعرف الأغلب أن كركوك منطقة يدور حولها الجدل وتختلط فيها الإرادات المحلية وحتى الدولية، لذا فإن الإرهاب يحاول من خلال التطورات الأخيرة في المشهد الانتخابي خلط الأوراق وإثارة الضغائن بين المكونات الاجتماعية".

وشدد الخبير الأمني على ضرورة إبعاد المناطق الساخنة من بينها كركوك عن الصراعات الانتخابية والسياسية التي تقف وراء تلك الخروقات.

ويتماشى مع ذلك الرأي نجم القصاب، محذراً من الأجندات "التركية والإيرانية" ورغباتهما في محافظة كركوك والتي تحاول إرجاع الأوضاع فيها إلى المربع الأول.

ورجح القصاب أن تشهد مناطق مشابهة لتركيبة كركوك، خروقات أمنية مستقبلا لتنظيم داعش كلما اقترب موعد الانتخابات. في إشارة منه إلى محافظة ديالى، شرق العاصمة بغداد.

مناطق رخوة

يرى بعض المراقبين للشأن الأمني، أن أطراف مناطق كركوك الممتدة والرابطة ما بين جبال حمرين وصلاح الدين، تمثل ثكنات آمنة لعناصر داعش وخصوصا بعد خسارته المدن التي سيطر عليها في يونيو/حزيران 2014.

ويلفت الخبير الأمني والضابط المتقاعد في الجيش العراقي، سلام ساهي، إلى أن الخلافات بين المركز والإقليم بشأن مسك المناطق أمنياً في محافظة كركوك، أدى إلى أن تكون تلك حواضن محصنة لعناصر داعش.

وأضاف ساهي لـ"العين الإخبارية"، أن "داعش فقد قدرته على حرب المدن وبات ينتقل عند الاطراف بحثاً عن ملاذات تكون مطابخ خلفية للتخطيط وشن الهجمات".

فيما يؤكد الناطق باسم العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، أنه ورغم الخروقات الأخيرة إلا أن قواته تقوم بمهام أمنية كبيرة وعالية المستوى.

وبشأن المناطق الرخوة، نبه الخفاجي إلى أن "القوات الاتحادية هي من تدير ملف الأمن في كركوك وهناك تنسيقاً مع قوات البيشمركة الكردية".

وكان الخفاجي، غرد غداة الليلة الدامية في كركوك، بأن تلك الخروقات "لن تمر دون عقاب"، مردفاً في تعليقه "إلا أن الصبح قريب".