تعد الاحتفالية الكبيرة التي شملها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى برعايته مساء اليوم، وحضرها حشد كبير من المسؤولين والمهتمين، وذلك لتسليم جائزة الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الثانية، تعد واحدة من أبرز جهود البحرين، العديدة والمتنوعة، من أجل خير البشرية في حاضرها ومستقبلها.

وجسد الحفل الكريم الذي حظي بمتابعة واهتمام بالغين واقع احتضان المملكة الفعلي لكل عمل يسعى إلى خدمة الناس في مجموعهم، وكيف أسهمت مواقف البحرين الدائمة والثابتة في سبيل الدفع بالتنمية المستدامة في العالم أجمع، وبما يعكس وجهها الحضاري المشرق على الصعيد الإنساني، سيما بالنظر إلى جملة الفعاليات والمؤتمرات والجوائز الأخرى التي تقدمها وترعاها، وعلى رأسها: احتضان منتدى "حوار الحضارات والثقافات" مايو 2014، ومنتدى حوار الحضارات يناير 2008، ومنتدى الوسطية بين النظرية والتطبيق فبراير 2005، فضلا بالطبع عن جائزة "اليونسكو ـ الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم"، وجائزة جلالة الملك حمد العالمية للاختراع العلمي، وغيرها.

ومع فعالية هذا اليوم، حيث سلم جلالة الملك المفدى الدكتور "أشيوتا سامنتا" من جمهورية الهند الصديقة، جائزة عيسى لخدمة الإنسانية، يتأكد مدى التطور النوعي في مسار الجائزة وفي الأهداف النبيلة التي سعت المملكة لتحقيقها منذ بدء إطلاق هذه الجائزة الكبيرة عام 2009 وحتى اللحظة، وهي أهداف ومرام توضح ليس فقط تحرك البحرين الحثيث لتحسين ظروف حياة البشر حول العالم انطلاقا من وعي قيادتها الرشيدة بأهمية هذا الأمر باعتباره ضرورة تفرضها التزامات البلاد الدينية والأخلاقية والدولية أيضا، وإنما لإيمان المملكة الراسخ بمحورية دور المبادرات الإنسانية في تصحيح مسارات التنمية في دول العالم الثالث، وتقديرها الكبير للرواد أصحاب المبادرات التاريخية العظيمة ممن يكافحون ويسعون من أجل تطوير حياة الناس ورفع مستواهم المعيشي في مختلف بقاع الأرض.

ولا يخفى هنا أهمية أن يكون حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وهو الرئيس الفخري للجائزة، على رأس كوكبة الحضور التي شهدت الاحتفالية مع كبار المسؤولين السياسيين والأكاديميين والخبراء والمختصين في البحرين وخارجها، ما عزز من مكانة الجائزة وسمعتها على مستوى العالم، وعكس حجم الثقة التي باتت تحظى بها بين مختلف العاملين والمعنيين بالمجال الإنساني في العالم.

وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقتين مهمتين تبرهنان على مدى ما يمكن أن تقدمه الجائزة للإنسانية في عمومها:

إحداها تتعلق بترسيخ التجارب التنموية الخاصة، ومن ثم تكريس الأدوار والمبادرات الفردية التي تعمق من مثل هذه التجارب، فالفائز بالدورة الثانية اليوم، وهو الدكتور "أشيوتا سامنتا" من جمهورية الهند الصديقة، عبَّر بخدماته العميقة ومشروعاته الممتدة عن حجم التفاني الذي يمكن أن تقدمه مبادرته من أجل خلق مجتمع خالٍ من الفقر والجوع والجهل، خاصة أنه عمل على احتضان المعدمين وأبناء الطبقات الفقيرة وتوفير فرص حياة متكافئة لهم، وهي التجربة التي نالت إعجاب الكثيرين، وشهدت بها المجتمعات المحلية في دول عديدة، حيث نقلتها من طور تنموي إلى طور أكثر رخاء وازدهارا.

وكذلك الأمر بالنسبة للفائز بالجائزة في دورتها الأولى، وهي الدكتورة "جميلة محمود" الماليزية، التي كانت وما زالت نموذجا للعطاء ليس فقط في بلدها، ولا حتى في الدول الآسيوية والأفريقية، التي عملت على تنمية الفئات المحتاجة بها، وإنما في العالم أجمع، وذلك بالنظر إلى إنجازاتها التنموية المشهودة لها من المنظمات الأممية المهمة والمختصة، وكانت سببا في تكرار نماذج أخرى على غرارها.

الحقيقة الأخرى تتعلق بالمساهمة التي يمكن أن يقدمها التقدير السامي لمثل هذه التجارب التنموية والمبادرات الخاصة في دعم الخطط الطموحة للنمو في البلدان المختلفة عموما، والنامية بشكل خاص.

وهنا يجب التأكيد بأن للجائزة باعتبارها شهادة تقدير جليلة ووساما رفيعا من أعلى مستوى في القيادة السياسية البحرينية، دورها المهم ليس فقط في تعزيز التوجه العالمي نحو التنمية والنهوض والرخاء للمجتمعات الفقيرة، وإنما في دعم ومساندة البرامج التنموية والاجتماعية الطموحة التي تنتهجها بعض البلدان من أجل التقدم والارتقاء بمستوى معيشة المهمشين.

وتبدو هذه الحقيقة مهمة لأنها تصيغ فعليا، وعبر برامج تنفيذية وزمنية محددة، الطرق العملية والواقعية الواجب اتباعها لتحقيق الحياة الكريمة لمليارات من البشر حول العالم يعانون من سوء أوضاعهم المعيشية، وذلك بعيدا عن طرق الحروب والدمار والتخريب التي لا يجني منها أحد شيئًا.

كما تضمن هذه الحقيقة إقرارا من قبل المؤسسات والمنظمات الدولية، واعترافا من دول العالم كافة، بنماذج النمو الخاصة وتجارب القضاء على الفقر والجوع المنتشرة هنا وهناك، الأمر الذي من المؤمل أن يساعد مستقبلا في تكرارها مجددا، ومن ثم توسيع رقعة انتشارها لتشمل مناطق أخرى، وإعادة إنتاجها في أماكن جديدة بما يتوافق مع خصوصيتها وظروفها.

إن البحث المضني الذي تجريه الجائزة من أجل اختيار الشخصية أو المؤسسة التي تتوفر فيها معايير واشتراطات الفوز بها، يعد بجانب حفل اليوم بمثابة تعبير واضح عن إمكانية النهوض بتجارب تنموية عديدة أخرى في مختلف بقاع العالم، والمساهمة ولو بالقليل في تقدير أولئك الذين يواصلون جهودهم الدؤوبة، ليل نهار، لخلق عالم أفضل للأجيال المقبلة، تلك الجهود التي ستكون ملهمة لكثيرين للسير في اتجاهها والاقتداء بها تعبيرا عن الامتنان لأي تحرك يدعم قيم البذل والعطاء.