في الوسط الأميركي، البعيد 12 ألف كيلومتر تقريباً عن السعودية، وقف أعضاء مجلس النواب بإحدى الولايات هناك، إجلالاً واحتراماً، الأربعاء الماضي، لطالب سعودي وجدوه يستحق منهم "شهادة الشجاعة والتضحية" الممنوحة عادة للباذلين جهداً بالمجالين، إلا أن عبدالجليل الأربش بذل الأغلى عليه وعلى ذويه، وهي حياته التي أنهاها بعمر 22 سنة، لينقذ آخرين من قتل "داعشي" الطراز ودموي.
الأربش، منع انتحارياً من دخول مسجد وتفجير نفسه بمن فيه من مصلين في مثل هذا اليوم الجمعة من الأسبوع الماضي، ودفع حياته ثمناً بمدينته الدمام في الشرق السعودي، لذلك دعا مجلس نواب ولاية كانساس، المعروف مقره باسم الكابيتول في مدينة "توبيكا" عاصمة الولاية، عدداً من المبتعثين السعوديين بجامعة "ويتشيتا" الحكومية، ومعظمهم أقرباء وأصدقاء للأربش الذي كان يدرس فيها الهندسة الكهربائية سنة ثالثة، ليبلغهم بتكريمه المعزز بشهادة أرسل صورتها المبتعث سعيد الغامدي، رئيس نادي الطلبة السعوديين بالجامعة التي تضم 600 مبتعث سعودي على نفقة الحكومة.
تكريم آخر كبير اليوم الجمعة أيضاً
وذكر الغامدي أن التكريم "كان ببادرة من الهيئة التشريعية في الولاية" أي مجلس النواب، الذين وصل إليهم صدى ما قام به الأربش ونال إعجابهم، بعد أن تأثروا بما فعل، وعلموا بتفاصيله من وسائل إعلام عالمية الانتشار أتت على قصته، فقاموا وكرموه وصفقوا له.
واليوم الجمعة بالذات سيجري تكريم آخر للأربش، وكبير الفعاليات "نظمه نادينا الجمعة بالاشتراك مع إدارة الجامعة، وبتغطية من قنوات تلفزيونية وصحف محلية، إضافة إلى وفود من مبتعثين سعوديين سيأتون من ولايات أخرى للمشاركة"، طبقاً لما قال الغامدي عبر الهاتف حين تم الاتصال به فجر اليوم الجمعة بالتوقيت السعودي.
عندها فجر الانتحاري نفسه بعبوة مدسوسة
ومن المعروف عن قصة الأربش أنه استغل عطلته الصيفية الجامعية وعاد إلى الدمام بهدف الزواج هذا الشهر بالذات، لكن ما كان بانتظاره اختلف عما كان ينويه، ليليه بشهر عسل يمضي إليه، ففي يوم الجمعة الماضي كان مع آخرين عند مدخل "مسجد الإمام الحسين" بحي "العنود" في المدينة، حين اقترب أحدهم، ذكرت الداخلية السعودية فيما بعد أن اسمه خالد الوهبي الشمري، وعمره 20 سنة، متنكراً بعباءة نسائية وأراد الدخول.
ولأنه "كان ممنوعاً على النساء ارتياد المسجد تلك الجمعة"، طبقاً لما قال والد عبدالجليل الأربش في فيديو، فإن ابنه الذي عمل حال وصوله إلى الدمام مع اللجان الشعبية الحارسة المسجد تطوعاً، استغرب رغبة "المرأة" بالدخول، من دون أن يعي بأنها "داعشي" النوايا، وحين تنبه لحقيقته، أمسك به سريعاً ليصده ويمنعه، عندها فجر الانتحاري نفسه بعبوة من مادة RDX مدسوسة بزيه النسائي، فسقط الاثنان قتيلين في الحال.
مع عبدالجليل الأربش، قتل التفجير 3 آخرين: شقيقه محمد، وهادي عيسى الهاشم، ثم محمد العيسى، ابن خالته الذي ظهر معه بصورة "سيلفي" التقطاها قبل قليل من مقتلهما عند مدخل المسجد. ومحمد العيسى هو ابن كوثر الأربش، خالة القتيلين عبدالجليل ومحمد، والكاتبة بصحيفة "الجزيرة" السعودية، وينقلون أنها قالت: "ابني جعلني أبكي، لكنه أنقذ مئات الأمهات من البكاء على أبنائهن".