يدرك وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده هي التي تدخلت في ملفات المنطقة بطريقة الوصي، ويدرك أن رئيسه أردوغان يركز في التقرير اليومي الذي يعرض عليه على التغريدات التي تثني عليه بمفردات الربيع العربي أكثر مما يركز على ما يعرض عليه وزير ماليته من خسائر يتكبدها الاقتصاد التركي الناهض جراء تصريح هنا وجنود أتراك هناك. كما يدرك أوغلو أن المنطقة تمر بمرحلة واضحة من التفكيك والتحريك وأن العواصم الدولية تحقن في الأوردة الإقليمية مهدئاً بعد الآخر لتجاوز الأزمات وتشجع الجسد الإقليمي على الحركة البناءة، وتشجع على تذويب الجلطات الإقليمية قبل أن تقود إلى ما لا يحمد عقباه؛ فالجسد الإقليمي مر بمرحلة سخونة من ليبيا إلى تونس إلى مصر إلى أفغانستان مروراً بأذربيجان، حيث كان علم تركيا مرفوعاً في كل أزمة، وكأن التدخل التركي سيكون خلواً من تداعيات مستقبلية عقابية على أنقره.

لا بأس من أن يكون الهدف من تحرك أوغلو فتح فرص الاستثمار في الخليج وبقية الجوار الإقليمي؛ فالاقتصاد هو المحرك الأول للعلاقات الدولية، والاقتصاد التركي الذي كان مثار إعجاب الصديق وحنق المنافسين يحتاج إلى جهود تساعد في إنقاذه، كما لا بأس من أن يحمل وزير الخارجية التركي ما يظهر أن الخط التوسعي لأردوغان يجب أن يتوقف، وخصوصاً حين يتباحث مع دول الخليج فالشأن السوري والليبي شأن خليجي، وذلك رأي خليجي بحجم إقرارنا أن العواصم الخليجية كانت محفزاً لإعاقة التمدد التركي بمكملاتها الإستراتيجية التي تتبعها أيديولوجيا وتحاول التمسك بغنائم الربيع العربي.

ويمكن القول إن عام 2021 هو عصر المصالحات والتهدئة حيث كانت بدايتها في قمة العلا عبر المصالحة الخليجية، كما تنحو أزمات كثيرة إلى التهدئة في ليبيا وتونس والعراق وآخرها نهاية حرب أفغانستان، فالحصيف من رجال الدولة يدرك أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، وأن العالم قد يتعافى من حرارة في الجسد، لكن الوهن سيتقمص الاقتصاد سنوات.

* بالعجمي الفصيح:

كانت تعاريف الإستراتيجية القديمة جميعها تأتي في منظور عسكري، ويبدو أن مولود جاويش أوغلو يسعى لتعريف إستراتيجية أنقرة المستقبلية من منظور اقتصادي.