كتبت - رنوة العمصّي: «لم أتعمد أن أوقظ القرية الذهبية اللون من سباتها. كان اسمها البسيتين، وكانت كسولة لا تلتفت للموج وهو يداعب جدائلها. تجر اللحاف وتصد وجهها عن الضوء المتسلل في هذا الفضا. قرية لا تعرف سوى الأحلام، وبهجة النعاس، وثمالة الريح، وهي تداعب سقوف البيت المكسوة بالنسيان” فريد رمضان - من إحدى نصوص (رنين الموج). في مركز الفنون يُعرض رنين الموج وهو حوارية بين الرسم والكلمات، وحديث عن القرية المنسية، “البسيتين القديمة “، البسيتين التي كانت، وحنين لا يغادر مكانه لصورة هرمت، ل اتزال أماكنها ولا تزال شخوصها تتنفس أوكسجين الذاكرة، وتحيا. استحضار لذاكرة المكان الفردية والجمعية، واشتغال أدبي وتشكيلي على الموروث التاريخي والأنثروبولوجي الذي شكل شخصية الإنسان البحريني قديماً. يقدم الفنان عمر الراشد أعماله التشكيلية، وتوازيها نصوص أدبية للشاعر والروائي فريد رمضان في تناغم وامتزاج ثري، يستلهم مفرداته وعناصره من قرية البسيتين التي شغلت سنوات من عمر المبدعَين البحرينيَين. وفي حين يرى البعض أن العمل التشكيلي لا يحتاج لشرح لفظي، وأن النص أيضاً لا يجب أن يقيد بصورة ما، أوضح الكاتب فريد رمضان لـ«الوطن”: أن أي تجربة إبداعية تتلاقح مع أخرى تحتمل التأويل أيضاً، وتترك للمتلقي مساحته في القراءة، وقد ركزنا على تكثيف الحالة النفسية أنا والتشكيلي عمر الراشد، والالتقاء على مستوى الشعور. ثم ينطلق كل منا إلى عمله، لذلك جمعتنا الحالة النفسية. ولم يكن أحدنا يفسر عمل الآخر، أو يصوره. أما الفنان عمر الراشد فعلّق: كنت أعمل على صناعة العلاقة بين النص واللوحة دون محاكاة، فلم تكن الصورة زخرفة للكلمات، ولا العكس. وهو الأمر الذي أكد عليه الكاتب السعودي محمد العباس في قراءته (لرنين الموج) قائلاً: “هي محاولةٌ لتوحيد الحواس لا لتشويشها”. وحيث تتلاقح التجارب الإبداعية من حقولها المختلفة، تبدو التجربة مغايرة بمعطياتها الجديدة، عبر عن ذلك الكاتب فريد رمضان بقوله: التجربة الإبداعية هي تجربة فردية بالأساس، والالتقاء بمبدع آخر، هو محاولة لطرح أسئلة جديدة. في هذا العمل أشعر وكأني أعطيت البسيتين حقها الذي لم أعطها إياه في تجربتي الروائية السابقة. هذه المرة رأيت البسيتين من الداخل من خلال ذاكرتي، ورأيتها من زاوية أخرى بعيون عمر الراشد. التشكيلي عمر الراشد يمارس فعل التجريد والتسطيح في أشكاله، في إطار الفن الحديث، حسبما يفضل أن تصنف أعماله، يبني بالمساحات اللونية لوحاته، ويعمّر شخوص مبنيّة باللون. ورغم ممارساته الحداثية، إلا أنه يستقي مفرداته البصرية من التراث البحريني، فتجد المرأة البحرينية بزيها الشعبي حاضرة بقوة. وقد حدثنا عن سبب حضورها الكثيف في أعماله قائلاً: الأنثى هي الأم والأخت والزوجة، هي التي تحمل المعاناة كلها، وهي القلب الذي يفيض حناناً على الجميع. والدي كان في البحر معظم وقته، وأمي هي التي ربتني وشكلت شخصيتي، أحبها وأحب أن أتأملها، ليس هي وحسب بل حتى عندما تجتمع وأمهات حيّنا أحب أن أجلس إليهن أستمع لحكاياتهن وأتأمل البحرين التي كانت في عيونهن. وعن الرمز الآخر الذي تكرر في عدة أعمال وهو الشجرة قال: لم أستخدم النخلة رغم أهميتها كرمز من رموز البحرين، استخدمت السدرة وهي رمز هام أيضاً كانت موجودة في كل بيوت البسيتين، جمعتنا بها علاقة حميمة جداً. ويضيف فريد رمضان: الشجرة لها بعد أسطوري وأنثروبولوجي، موجود في الموروث التراثي والديني والتاريخي.