تحديات وتطورات متسارعة شهدها الملف الليبي بالأيام الماضية تبعث برسائل متضاربة بشأن مصير البلد الأفريقي بعد عشرية من الصراعات.

ففي الوقت الذي تتواترت فيه الدعوات لتكثيف الجهود لإجراء الانتخابات المقبلة بموعدها المحدد في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، انطلقت أخرى لإشعال فتيل الأزمة عبر تنظيم تظاهرات ضد مجلس النواب الليبي، ظاهرها رفض لقرار البرلمان بسحب الثقة من الحكومة، وباطنها تأجيج الشارع.

مؤتمر دولي



وبين هذا وذاك، انطلقت دعوة ثالثة من المجلس الرئاسي الليبي لتنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا، يعقد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بمشاركة المؤسسات والجهات الوطنية ذات العلاقة، وكذلك الشركاء على المستويين الدولي والإقليمي.

رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي قال في كلمة ألقاها، الخميس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن ليبيا ستبادر باستضافة اجتماع دولي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، في إطار طرح مبادرة دعم استقرار ليبيا، والتي تتناول مختلف المسارات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، استناداً إلى المخرجات السابقة بشأن ليبيا.

وأشار المنفي إلى أنه يهدف لضمان استمرار الدعم الدولي بصورة موحدة ومتسقة وفقاً لرؤية وطنية شاملة.

إلا أن دعوة المنفي التي أطلقها لعقد المؤتمر الدولي فجرت آراء متباينة بين المحللين الليبيين، وتساؤلات حول أهدافه والنتائج التي قد تصدر عنه، وتوقيت الإعلان عنه، خاصة أنها تأتي قبل أقل من 100 يوم من عقد الانتخابات المقبلة.

لا جديد

المحلل السياسي الليبي محمد يسري يرى أن المؤتمر الذي أعلن المنفي عقده في أكتوبر/تشرين الأول المقبل لن يأتي بالجديد على صعيد السياسية الليبية، خاصة أن خارطة الطريق واضحة تماما فيما يخص الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وقال يسري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن المؤتمر سيثبت فقط ما تم إقراره في خارطة الطريق السابقة خاصة بعد تصريح البعثة الأممية بأنه لاعودة إلى الوراء بشأن الانتخابات، مؤكدًا أن هناك جدولا زمنيًا معدًا مسبقًا بشأن الأشهر الثلاثة المقبلة في البلاد.

وتوقع يسري أن يطلق المؤتمر رسائل تحذيرية إلى كل أطراف التي تسعى لعرقلة الانتخابات، عبر التأكيد على تمسك المجتمع الدولي بضرورة إجراء الاقتراع، مشيرًا إلى أن إعلان المنفي حول المؤتمر يتزامن مع آخر دعت إليه فرنسا، حول نفس الأهداف.

والأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أن فرنسا ستستضيف في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مؤتمرا دوليا حول ليبيا، مشيرًا إلى أن المؤتمر الذي ستشارك ألمانيا وإيطاليا في الإعداد له، سيهدف إلى ضمان تنفيذ جدول الانتخابات وبحث خروج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا.

وبحسب يسري، فإن المؤتمر مهم من ناحية تثبيت الاستحقاق الانتخابي والموعد المحدد له، وأيضًا ضمان عدم وجود أية عراقيل من شأنها تقويض هذا الاستحقاق، لكنه لن يأتي بالجديد على صعيد الشأن السياسي الخارجي أو الداخلي في البلاد.

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، أن "المؤتمر مضيعة للوقت وللاستهلاك المحلي، لعدة أسباب، أولها أن هناك إرادة ليبية قوية لإجراء الانتخابات، فضلا عن وجود إرادة قوية من المجتمع الدولي بشأنها أيضا".

طرح أيده المحلل السياسي أيوب الأوجلي، بقوله إن "هذه المؤتمرات لن تضيف أي جديد في طريق التسوية السياسية الليبية، مشيرًا إلى أن خارطة الطريق التي وضعت في جنيف جاءت ببنود واضحة ولا تحتاج إلا لضغط داخلي وخارجي لتنفيذها.

وأوضح الأوجلي، لـ"العين الإخبارية"، أن ليبيا لا تحتاج لأي مبادرات جديدة، لافتا إلى أنه يجب التركيز في هذه المرحلة على ملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وتفكيك المليشيات، بالتزامن مع العمل في ملف المصالحة الوطنية الشاملة وصولا للانتخابات.

واعتبر أن التحركات الدولية الأخيرة تركزت جلها حول التأكيد على موعد الانتخابات، مؤكدًا أن الدول الراعية للملف الليبي لا تركز في هذه الفترة إلا على هذا الملف.

وبالنسبة للمحلل السياسي الليبي، فإن الدول الراعية لن تنظر في مخرجات هذا المؤتمر إلا في حال حمل في طياته أفكارًا جديدة قد تكون ذات جدوى في الوصول إلى الانتخابات وتخفيف الاحتقان السياسي السائد حاليًا.

أسباب خفية

إلا أن المحلل السياسي الليبي معتز بلعيد شن هجومًا على المنفي والدعوة التي أطلقها، معتبرا أنه لن يقدم الكثير.

وقال بلعيد، لـ"العين الإخبارية"، إن المنفي دعا لهذا الاجتماع لعدة أسباب "أولها أنه يريد التذكير بوجوده، وثانيها محاولة ضغط على مجلس النواب وأي جهة ضاغطة عليه، وآخرها تصوير الوضع في ليبيا على أنه مفتت وغير قابل لإجراء الانتخابات بهدف تأجيلها وبقاء مجلسه وحكومة (عبد الحميد) الدبيبة على سدة الحكم أطول فترة ممكنة".

وأشار بلعيد إلى أن إمكانية حدوث أي سيناريو جديد في ليبيا غير متوقع، كتأجيل الانتخابات واستمرار الحكومة وتقديم الاستفتاء على الدستور على باقي الاستحقاقات، إذا كان هناك اتفاقات دولية تحت الطاولة.

وأكد أن الجيش الليبي لطالما تعهد بأن يكون مساندا للإرادة، معتبرا أنه "في حال تأجلت الانتخابات ورفض الشارع الليبي هذا الإعلان، فلا نتوقع أن الجيش سيقف موقف المتفرج".