ألقى الضوء على تراث النخلة والفخار والذهب واللؤلؤ في المملكة

نظمت هيئة البحرين للثقافة والآثار في المسرح المرن بمسرح البحرين الوطني اليوم الأربعاء الموافق 29 سبتمبر 2021م الملتقى الوطني للتراث غير المادي في نسخته الثالثة، بحضور سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة مدير إدارة التراث الوطني بالهيئة، إضافة إلى حضور عدد من الخبراء في التراث غير المادي والباحثين والعاملين في هذا المجال والمهتمين.

وناقش الملتقى هذا العام أربعة عناصر من التراث غير المادي لمملكة البحرين وهي: النخلة، صناعة الفخّار، صياغة الذهب واللؤلؤ.

وبهذه المناسبة قالت سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة إن التراث الثقافي لا يشير إلى المباني التاريخية والآثار، بل يشمل التقاليد العريقة التي نجحت في العبور للأجيال، مؤكدة أن التراث الثقافي الذي يحمل الهوية ومعاني التلاحم الاجتماعي يتطلب الحماية والترويج. ونوّهت سعادتها إلى أن اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003م مكّنت الدول الأعضاء في منظمة اليونيسكو من تحقيق اعتراف واسع بأهمية صون الممارسات الحية.

وأوضحت أن الاتفاقية أرست بعمق مبدأ صون التراث الثقافي غير المادي في القانون الدولي، حيث أصبحت مرجعاً للدول التي وقعت عليها والتي بلغ مجموعها أكثر من 90 بالمئة من الدول الأعضاء.

واختتمت كلمتها بالقول أن هيئة البحرين للثقافة والآثار تنظم النسخة الثالثة من الملتقى الوطني للتراث الثقافي غير المادي تأكيداً على أهمية العمل لصون تراث مملكة البحرين وإحياء أجمل ما يميز أرض وتاريخ وتراث المملكة. وتوجهت بالشكر الجزيل إلى كافة المشاركين في الملتقى والعاملين على إنجاح هذا الحدث الذي يعكس الاهتمام المتنامي في البحرين بهذا الجزء الهام من تراث البحرين الثقافي.

أما الدكتور منير بوشناقي المستشار في المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي فتحدث عبر كلمة مسجلة حول الاهتمام العالمي بحماية التراث الثقافي غير المادي، وبالأخص ما توليه منظمة اليونيسكو من تنسيق ما بين الدول من أجل حماية هذا النوع من التراث عبر العديد من الأدوات ومن أهمها "اتفاقية 2003م" الخاصة بحماية التراث الثقافي غير المادي. وقال إن مفهوم التراث الثقافي اليوم يشمل العادات والتقاليد والأغاني الشعبية وكل ما تبدعه الجماعات من ميراث متناقل بين الأجيال تحت مفهوم التراث الثقافي غير المادي، بما يعمق للشعوب الإحساس بالهوية والشعور باستمراريتها، معرباً عن أمله في أن يخرج الملتقى بتوصيات ومقترحات تؤكد على أهمية هذا التراث الحي وتعزز من مكانته محلياً وعالمياً.

وتناول الملتقى في جلسته الأولى العنصر الأول من التراث الثقافي غير المادي، وهي النخلة، وتحدث خلالها سعادة الدكتور عبدالعزيز محمد عبد الكريم الوكيل المساعد لشؤون الزراعة والثروة البحرية في وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، حيث تقدّم بالشكر لهيئة البحرين للثقافة والآثار على تنظيم الملتقى، مشيراً إلى أن النخلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنسان البحريني والبيئة المحيطة به، كما تنعكس على المجتمع وتتنوع استخدامات مكوناتها لتكون حاضرة بتفاصيلها في البيوت البحرينية القديمة. وأكد على عمق وجود النخلة في تاريخ حضارة دلمون التي توضحها نقوش النخلة الموجودة على أختامها. وفي ختام حديثه أكد سعادة الوكيل عن أهمية تعزيز جهود حفظ وصون الرقعة الزراعية في مملكة البحرين مشيداً بجهود هيئة الثقافة الرامية لتوظيف النخلة ضمن عناصر التراث الثقافي غير المادي بالمملكة.

وفي السياق نفسه تحدث السيد صالح أبو صيبع، الذي يمتهن حرفة زراعة النخيل وما يعرف محلياً بمهنة "النخلاوي" عن طبيعة عمله في مجال صيانة النخيل وعن الظروف المرتبطة بها، مشيراً إلى أهمية الارتقاء بالذائقة الجمالية للراغبين في العمل في هذه الحرفة التقليدية.

أما العنصر الوطني الثاني من عناصر التراث غير المادي والتي تناولها الملتقى فكان "صناعة الفخّار" والتي تعد من أقدم الحرف في مملكة البحرين. وحول هذا الموضوع قالت الآنسة شوق العلوي مديرة إدارة الحرف اليدوية في هيئة البحرين للثقافة والآثار إن هذه المهنة تعد أقدم مهنة عرفها التاريخ وأن أكثر ما يميزها أن مادتها الخام تأتي من الأرض ويعمل بها الحرفي بشكل يدوي تام. وأشارت إلى العمق التاريخي لهذه المهنة في البحرين، حيث كشفت التنقيبات الأثرية عن وجود قطع من الفخار تعود إلى عهد حضارة دلمون المبكرة ويتم عرض العديد منها في متحف موقع قلعة البحرين.

وقالت إن صناعة الفخار تأتي في أولويات جهود هيئة الثقافة للحفاظ على الحرف اليدوية، وتطرقت إلى عدد من المشاريع التي تقوم بها الهيئة في هذا المجال منها السجل الوطني للحرفيين، عرض منتجات حرفية في أسبوع دبي للتصميم وإحداث تطوير على المهنة بإدخال مواد خام أخرى عليها كالنحاس والألمنيوم.

من جانبه نوّه السيد عبدالنبي عبدالرحيم صاحب محل دلمون للفخار بأن أكثر ما يشدّ زوار مصانع الفخار هو الزخارف البحرينية الدلمونية، مستعرضاً عملية صناعة الفخار ومتطرقاً إلى التحديات التي تواجه هذه المهنة من شح المواد الخام وعزوف الأجيال الجديدة عن الهنة لأسباب مختلفة.

وفي ثالث جلسات الملتقى تم تناول صياغة الذهب في البحرين كأحد عناصر التراث غير المادي، حيث قال السيد عبدالشهيد الصائغ صاحب محل مجوهرات جيهان إن مهنة صياغة الذهب في البحرين توارثتها أجيال عديدة. وتناول العديد من جوانب هذه المهنة كالتصاميم البحرينية القديمة للذهب ومنها حب الهيل والمرية، كما وتحدث عن تحديات محلات الذهب البحريني ومنها المنافسة مع الأنماط الحديثة في عالم المجوهرات. بدورها شددت وفاطمة درويش مديرة التسويق الرقمي في مجوهرات الزين على أن قيمة الذهب البحريني تبقى عالية منذ عصر حضارة دلمون وحتى اليوم، مشيرة إلى أن أسواق الذهب البحريني تشهد إقبالاً كبيراً من الزوار. وأشارت إلى أهمية الدمج بين عناصر التراث والعناصر الحديثة في تصميم الذهب، مؤكدة أن هناك اهتماماً ملحوظاً بإدخال عناصر بحرينية تراثية على تصاميم القطع.

وأخيراً كان على جدول ملتقى التراث غير المادي، مهنة صيد وتجارة اللؤلؤ، وهي المهنة التي شكلت النظام الاقتصادي في البحرين وفي مدينة المحرّق بالتحديد خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وقالت نورة جمشير الرئيس التنفيذي لمعهد البحرين للؤلؤ والأحجار الكريمة (دانات) إن اللؤلؤ هو أقدم حجر كريم تم استخدامه في صناعة الحلي، مشيرة إلى أن ما يميز لؤلؤ البحرين هو جودته ونقاؤه واحتفاظه ببريقه مع مرور الزمن بفضل جودة المياه المحيطة ووجود ينابيع المياه العذبة بالقرب من مغاصات اللؤلؤ. وأوضحت أنه يوجد اهتمام متزايد باللؤلؤ البحريني في الأسواق الغربية، مؤكدة أن اللؤلؤ الصناعي لا ينافس اللؤلؤ الطبيعي.

أما السيد محمود المحمود صاحب محل لآلئ آل محمود فتحدث حول أهمية اللؤلؤ بالنسبة لتراث مملكة البحرين، مؤكداً أن أفضل عقود اللؤلؤ في العالم تم تصنيعها من اللآلئ البحرينية. وأشار إلى وجود قوانين في البحرين تمنع تداول اللؤلؤ الصناعي، منوها بضرورة استدامة مهنة صيد اللؤلؤ وإشراف الجهات الرسمية عليها. وأعرب عن أمله في أن تعود حرفة صيد اللؤلؤ إلى سابق عهدها مع وجود اهتمام متزايد من الأجيال الجديدة.

ويأتي ملتقى التراث غير المادي ضمن رؤية هيئة الثقافة لإثراء جهود البحث العلمي على المستوى الوطني والإقليمي في هذا المجال، إضافة إلى سعي الهيئة للترويج لعناصر تراثية بحرينية غير مادية تمهيداً لإدراجها على القائمة التمثيلية لمنظمة اليونيسكو.

ومن بين أبرز أهداف الملتقى الوطني الثاني هو رفع الوعي المجتمعي حول أهمية عناصر التراث الثقافي غير المادي وماهية وضعها الحالي اليوم، حصر وحفظ وصون عناصر التراث الثقافي غير المادي بما يؤكد على التزامات مملكة البحرين تجاه اتفاقية عام 2003 وإعطاء الباحثين والمختصين في هذا المجال الفرصة للمشاركة في جهود صون التراث الثقافي غير المادي وفقاً للآليات الدولية، إضافة إلى الترويج لمشاريع هيئة الثقافة وجهودها من أجل حفظ التراث البحريني غير المادي.