يتساءل العديد من الناس عن العودة الآمنة لممارسة النشاط البدني بعد الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد 19). هناك عدة عوامل لا بد من مراعاتها لتحديد نوعية النشاط البدني الملائم للتعافي منه، حيث إن اختلاف الحالة الصحية ومضاعفات الإصابة وشدة الأعراض وفترة البقاء في المستشفى ونوعية العلاج هي عوامل تؤثر على سرعة العودة لممارسة النشاط البدني؛ فبعض المصابين لم تظهر لديهم أي الأعراض، والبعض الآخر ظهرت لديهم أعراض بسيطة وتم عزلهم في المنزل، وآخرون تدهورت الحالة الصحية لديهم وتم إدخالهم إلى العناية القصوى.

قبل الخوص في الحديث عن ممارسة النشاط البدني للمتعافين، لا بد من إلقاء الضوء على التوصيات حول النشاط البدني في فترة الإصابة بالفيروس. وبعد الاطلاع على توصيات البحوث والإرشادات العالمية فيما يتعلق بالتمارين الملائمة للمصابين بكورونا بحسب ما جاء في الدراسات لا ينصح بممارسة النشاط البدني ذي الشدة المتوسطة والعالية، والذي يتطلب زيادة الجهد على الجهاز الدوري التنفسي خلال السبعة أيام الأولى من الإصابة؛ فقد يصاحب الإصابة ارتفاع درجة حرارة الجسم، بالإضافة إلى زيادة العبء على الجهاز الدوري التنفسي، لذلك ينصح ببدء النشاط البدني ذي الشدة المتوسطة بعد عشرة أيام من الإصابة، ولا يقصد بذلك الخمول والاستلقاء والامتناع عن الحركة، بل يستطيع الفرد القيام بالأنشطة اليومية الاعتيادية كالحركة داخل المنزل أو الغرفة. كما ينصح بممارسة تمارين المرونة وتشمل تمارين المدى الحركي وتمارين الاستطالة وتمارين التنفس.أما المرضى الذين تم إدخالهم إلى المستشفى ووحدات العناية القصوى فلا بد لهم من اتباع تعليمات الطبيب.

إن وصف التمرين وشدته يعتمدان على القوة العضلية، والقدرة على التوازن، ومدى قدرة المريض على الاعتماد على الذات في الأنشطة اليومية دون الحاجة للمساعدة، كما تعتمد على كفاءة وظائف الجهاز الدوري التنفسي ومدى احتياج المريض لأجهزة التنفس، بالإضافة إلى مدى وعي المريض، وفي مثل هذه الحالات ينصح بأداء التمرين تحت إشراف المعالج الطبيعي لضمان سلامة المريض، وقبل البدء بأداء التمرين لا بد من التأكد من استقرار المؤشرات الحيوية، كما يجب قياس مستوى تشبع الأكسجين ومعدل النبض والتنفس وضغط الدم.



نشرت وزارة الصحية السعودية إرشادات للعاملين في تأهيل مرضى كورونا في المستشفيات ومراكز العناية القصوى، وذلك بعد دراسة التوصيات والبحوث ذات الصلة، وتشدد التوصيات على الابتعاد عن التمارين في الحالات الحادة والحرجة، أما في حالة المريض الفاقد الوعي فيمكن التحريك اليدوي للمفاصل عن طريق اختصاصي العلاج الطبيعي، وذلك لتجنب مضاعفات كوفيد 19 طويلة الأمد الناجمة عن البقاء فترة دون حراك.

أما في الحالات المتوسطة التي يكون فيها المريض كامل الوعي فينصح بأداء تمارين المدى الحركي والاستطالة مرة أو مرتين في اليوم لمدة 15-45 دقيقة بالإضافة إلى تغيير الأوضاع والنهوض من السرير، ويمكن إضافة تمارين التقوية للعضلات بحسب حالة المريض الصحية، ويجب التوقف مباشرة في حالة الشعور بأحد الأعراض الآتية: ألم حاد في الصدر، وضيق مفاجئ النفس، وعدم وضوح الرؤية، أو فقدان التوازن.

أما بعد الشفاء والعودة إلى المنزل فينصح بأداء التمرين بتكرار 8 - 12 مرات ويمكن تكرار 3 مجموعات، كما يوصى بأخذ فترة راحة بين التمارين لمدة دقيقتين على الأقل، وينصح بممارسة أداء التمرين 3 مرات في الأسبوع، ولمدة 6 أسابيع. أما فيما يتعلق بالنشاط البدني الهوائي فينصح بالبدء بمدة 20-30 دقيقة بمعدل 3 إلى 5 مرات في الأسبوع، أما بعد التعافي من (كوفيد19) فينصح بالعودة التدريجية لممارسة النشاط البدني، حيث تشير الدراسات إلى التأثير المتعدد لكوفيد 19 على أجهزة الجسم كالجهاز العضلي الهيكلي، والقلب، والرئتين، والجهاز العصبي.

إن استمرار التأثير قد يمتد ويتباين بين الأفراد باختلاف الحالة الصحية ووجود الأمراض المزمنة وعمر المريض وعوامل أخرى، وهناك بعض الحالات من المصابين لا يزالون يعانون بعد الإصابة من بعض الأعراض كالآلام الحادة في العضلات وضيق النفس التعب والإرهاق وغيرها وهذه الحالة تسمى بكوفيد طويل الأمد، وعادة يكون هؤلاء المصابون ممن تعرضوا للإصابة شديدة وتم بقاؤهم في العناية القصوى تحت أجهزة التنفس الاصطناعي. وبحسب ما جاء في الدراسات الأجنبية فإن من أحد الأسباب: البقاء فترة طويلة دون حراك، بالإضافة إلى تأثير بعض الأدوية المرخية للعضلات والأعصاب. وفي حالة التعافي من الأعراض الخفيفة والمتوسطة للمرضى الذين تم عزلهم في المنزل وبعد مضى 10 أيام من الإصابة يمكنهم البدء تدريجياً، ومن المهم تحديد هدف واقعي للتمرين.

أما المرضى الذين يعانون من أمراض القلب وممن أصيبوا بالتهاب عضلة القلب، فقد يحتاجون لعمل تخطيط للقلب واختبار الجهد واختبار مدى كفاءة القلب والرئة. وفي حالة تأكيد الإصابة بالتهاب عضلة القلب سيتم تقييد التمرين من 3 إلى 6 أشهر مع إعادة التقييم بشكل دوري، ويحتاج هؤلاء المرضى للتأهيل القلبي من قبل المتخصص، ولا بد من مراقبة استقرار المؤشرات الحيوية قبل العودة لممارسة الرياضة اليومية الاعتيادية. ويوصي المعهد الرياضي الإنجليزي والأسكتلندي بخمس مراحل للعودة الأمنة إلى النشاط البدني، بحد أدنى 7 أيام في كل مرحلة منها، ويمكن للمرضى فقط الذين لم تظهر لديهم الأعراض لمدة 7 أيام على الأقل البدء بممارسة الرياضة. في المرحلة الأولى يوصى بتمارين التنفس، والمرونة والاستطالة والتوازن والمشي الخفيف دون الشعور بالتعب، ويمكن في المرحلة الثانية ممارسة النشاط البدني الهوائي منخفض الشدة مثل المشي واليوغا، ويمكن في هذه المرحلة زيادة مدة الأداء 10 إلى 15 دقيقة كل يوم اليوم. تبدأ المرحلة الثالثة لممارسة تمارين الأيروبك متوسط الشدة وتمارين القوة لمدة 30 دقيقة، ويكون التمرين صعباً نوعاً ما، وإذا لم يتم تعافي المريض من التمرين بعد ساعة واحدة فينصح بالعودة إلى المرحلة السابقة. أما في المرحلة الرابعة فيمكن أداء نشاط بدني هوائي معتدل الشدة تمارين التقوية وتمارين لتنمية التوافق العضلي العصبي، وقد يشعر المريض بالإرهاق وهو أمر طبيعي في هذا المستوى. وفي المرحلة الخامسة والأخيرة يمكن العودة لممارسة النشاط البدني الاعتيادي قبل الإصابة بكوفيد 19 والوصول إلى مستوى أصعب. ويستخدم مقياس بورغ على نطاق واسع كمؤشر لمراقبة وتوجيه التمرين.

أما فيما يتعلق بلبس الكمام والشروط الصحية للإنشاءات الصحية والرياضية فتم وضع الاشتراطات والإجراءات التفصيلية من قبل الخبراء والمختصين في فريق البحرين الوطني القائمة بناءً على الدراسات وبناءً على المتغيرات من حدة انتشار أو الانحسار ومعدل والوفيات المحلية وعلى مستوى المنطقة.

إن التزامنا بالاشتراطات والتوصيات من الفريق الوطني وأخذ التطعيم المضاد لكوفيد 19 يضمن العودة للحياة الطبيعية وممارسة الأنشطة اليومية والرياضية.

وفي الختام، تعتبر ممارسة الرياضة مهمة للصحة بشكل عام، ولا بد من تحديد هدف معقول والبدء التدريجي للعودة لممارسة النشاط البدني، ويمكن البدء بتمارين النفس، ومن ثم البدء بممارسة نشاط بدني منخفض الشدة كالمشي 20- 30 دقيقة، وينصح بقياس معدل التنفس والنبض، استمع لجسدك وخذ قسطاً من الراحة عند الشعور بالتعب.

* أمين سر جمعية أصدقاء الصحة - اختصاصية علاج طبيعي

ليلى المدني