كلما تقدم العمر بالإنسان وغزا الشيب رأسه ولحيته يحن إلى ماضيه البعيد وإلى طفولته ومراتع لعبه وأصدقائه.. ولعل هذا ما يجعلني وقد تجاوزت السبعين عاماً أذهب أحياناً إلى فريق المسلم بالحد حيث ولدت فيه وأمشي في طرقاته وأزقته وأتذكر شيبانه ورجاله وعواجيزه ونساءه، منهم من رحل إلى ربه ومنهم من وصل إلى أرذل العمر بحيث لا يعلم بعد علم شيئاً.

مازلت أتذكر الفنان عزيز مندي الذي عمل لنا في حوش بيت والده مسرحاً صغيراً نمثّل عليه ونغني فوق خشبته من أغنيات وأهازيج الطفولة التي لا تزال عالقة بالأذهان، ومازلت أتذكر شيخ الفريج جبر المسلم الذي كانت له الباع الطولى في حرفة الغوص واللؤلؤ والذي بنى في الفريج مجلس المسلم الذي كان مكاناً لالتقاء رجالات الفريج من بعد صلاة العشاء.. هذا المجلس الذي جدده حفيده الوجيه علي بن محمد جبر المسلم ولازال ملتقى للرجال ومكاناً لوجبة الفطور طوال شهر رمضان المبارك قبل أن تأتي جائحة كورونا وتغلق جميع المجالس في البحرين عامة.. كما أن شيخ الفريج جبر المسلم لم ينسَ أن يبني مسجداً للصلاة بالقرب من المجلس.. ومازلت أذكر خالي عبدالله بن محمد البنزايد الذي كان مؤذن المسجد لسنين طويلة وكيف أنه كان مساء كل أيام شهر رمضان المبارك يذهب إلى الساحل الغربي لمدينة الحد لملاحظة «سلوم» الشمس أي مغيبها ويأتي مهرولاً ليقيم أذان المغرب ونركض نحن الأطفال إلى بيوتنا ونحن نردد: «أذن.. أذن يالمذن.. ترى الصيام يواعة».

مازلت أذكر أصدقاء الطفولة خميس مال الله وعلي مندي وعبد الله السيد وأخاه جلال وعلي عبد الكريم وعبد الغفار أحمد وراشد عبد الغفار وأخاه علي عبد الغفار وغيرهم كثير مما لا تسمح الذاكرة بتذكرهم جميعاً.. لكنها أيام قضيناها معاً قبل أكثر من ستين عاماً ونحن نلعب الكرة في «البطح» بعد أن «تثبر الماية» عن الساحل، وكيف أننا نذهب إلى «الحظور» بعد أن يخرج «البوار» منها لنحصل على بعض الأسماك الصغيرة و «الوحر» التي تركها «البوار» من كثرة الأسماك التي تصطادها تلك «الحظور».. ولا يمكن أن ننسى تلك البرايح الجميلة التي تكونت على الساحل من الرمل الأبيض النظيف نتيجة عمليات المد، كما أن الحداق على الساحل لصيد الحواسيم كان ديدننا نحن الأطفال كل يوم. فما أحلى الطفولة وما أروعها وما أجمل ذكرياتها.