كتب – أحمد عبدالله: ناقش مجلس الشورى في جلسته أمس مشروع قانون “إذاعة ونشر أخبار كاذبة، والحق في حرية التعبير”، وقرر إعادة المادة 168 من المشروع للجنة المختصة لمدة أسبوع لمزيد من الدراسة، فيما أقرّ بقية مواد المشروع. ويتعلق المشروع بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1976، المرافق للمرسوم الملكي رقم 119 لسنة 2011. وأوضح وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة أن “الهدف من تعديل قانون العقوبات موائمة التشريعات بالبحرين مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، مبيناً أن “حرية التعبير تقتضي السماح بالاختلاف في الرأي ومقارعة الفكر بالفكر”. وقال الوزير “كانت النتيجة المترتبة على حرية التعبير احتمالية، فالنص السابق يعاقب على نشر الأخبار التي “من شأنها” إحداث ضرر”، مضيفاً “لجأنا لربط العقوبة بحدوث الضرر كضابط رئيس، من أجل أن تكون القيود الواردة في القانون متوافقة مع المادة 19 من العهد الدولي”. وتابع في إطار مناقشته لتعديل المادة 169 من قانون العقوبات “تم اقتباس جملة من الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان لتفسير التصرفات انطلاقاً من أعراف مجتمع ديمقراطي”، لافتاً إلى أن “التعديلات تمت مراجعتها من قبل خبراء دوليين وقانونيين، وهي نقلة كبيرة في مستوى حرية التعبير المتفق عليها دولياً”. ومن ناحية أخرى، أوضح وزير العدل أن “المادة 168 من المشروع تعتبر بمثابة الأصل العام، بينما تفصل المادة 169 في بعض من الصور والحالات”، مشيراً إلى أن “الجريمة لها ركنان أحدهما معنوي وهو الإذاعة لخبر بشرط أن يكون كاذباً، أما ركنها المادي فهو علم وإرادة بمعنى أن يعلم من قام بالفعل أن ذلك سيحدث ضرراً مع قصده لنشر الخبر وإذاعته”. وأشار إلى أن “الكذب المجرد لا معاقبة عليه في قانون العقوبات، أما قانون الأخلاق فله شأنه”، موضحاً أن “ذلك لا يعني بحال من الحوال تبرير الكذب أياً كان الداعي إليه”. وفيما يخص أهمية إقرار التعديل، أوضح الوزير أن “التقييم الذي تقوم به الجهات المهتمة بحقوق الإنسان يبدأ بالنظر في التشريعات ومدى تحقيق لمبادئ الحريات العامة”. وأضاف “إقرار النص سيضع البحرين في الموضع الذي يليق بها كدولة تريد أن تكون ضمن مصاف الدول المتطورة ديمقراطيا”. أما العضو جميلة سلمان، فاعتبرت أن “المشروع لا يخدم المصلحة العامة، مقترحة حذف قيد العلم “مع علمه بأنها قد تحدث ضرراً..”، وإيقاع العقوبة بمن أذاع أخباراً كاذبة وأحدثت ضرراً، سواء علم باحتمالية وقوع الضرر أم لم يعلم، ورأت أن التعديل يفتح المجال لنشر الأخبار الكاذبة، لأن كل متهم يمكن أن يدعي أنه لم يكن يعلم بأن الأخبار ستحدث ضرراً. وأضافت سلمان أن “التعديل لا يخدم حرية التعبير لأن نشر الأخبار يجب استثناؤه من الحريات العامة”، مستشهدة بأن “القانون الإماراتي يشدد العقوبة على مذيع الأخبار الكاذبة من دون أن يذكر هذا القيد”. ومن جهته، شدد جمال فخرو على “ضرورة الاستئناس بقاعدة عريضة من المؤسسات والجهات المعنية بهذا القانون، وعدم الاكتفاء برأي الوزارات والجهات الرسمية. ودعا العضو محمد الستري إلى “الاستئناس بآراء جمعيات المجتمع المدني وجمعية الصحافة البحرينية ورؤساء تحرير الصحف على اعتبار أنهم على تجربة ووعي بحيثيات النشر وطرق إذاعة الأخبار”. وأكد العضو خليل الذوادي “خطورة نشر الأخبار الكاذبة التي قد يكون لها تأثير كبير على الأمن الوطني”. وتحدث عن نقل صحيفة في إحدى الدول العربية خبراً كاذباً بمرض رئيس تلك الدولة، ما أدى إلى هبوط كبير في البورصة في وقت وجيز. من جانبه، رأى عبد العزيز أبل أن “المشروع بقانون حساس جداً ودقيق لكون العالم يراقب كل ما يتعلق بحرية التعبير”، داعياً إلى “توخي الدقة والحذر في مدى اعتبار الخبر كاذباً”، متسائلاً “هل يدخل حرق العلم الوطني في حرية التعبير؟”. وهو ما جعل عضو لجنة الشؤون الخارجية عبد الرحمن جمشير يؤكد أن “اللجنة اطلعت على العهد الدولي والقوانين الدولية لحرية التعبير قبل أن تصل إلى توصيتها بإقرار مواد المشروع”. إلى ذلك، اقترحت د.عائشة المبارك إضافة فقرة تجعل العقوبة تطال من قام بإذاعة الأخبار الكاذبة “بأي وسيلة كان النشر”، مشيرة إلى أن “ الأزمة علمتنا الكثير فيما يتعلق بنشر الأخبار الكاذبة. أما جمعة الكعبي، فأشار إلى أن “بعض رجال الدين يقومون بنشر خطابات تحدث الضرر ويجب أن يطالهم تطبيق قانون العقوبات”. كما شددت لولوة العوضي على أن “الأخبار الكاذبة لا تدخل في تعريف حرية التعبير”، قائلة “عانينا من الأخبار الكاذبة في الأزمة ويجب عدم تمييع قانون العقوبات”. واعتبرت د.بهية الجشي أن “المادة 168 تثير الكثير من الجدل والتساؤلات لكونها ربطت العقوبة بحدوث الضرر والعلم”، متسائلة “ماذا لو كان الشخص غير متعمد وحدث الضرر، وماذا لو أنكر من أذاع الأخبار أمام المحكمة علمه بكونها قد تحدث الضرر؟”. وبعد كل المناقشات واختلاف الرؤى صوت المجلس على إعادة المادة 168 إلى اللجنة لمدة أسبوع واحد لمزيد من الدراسة. وخلال إجاباته على استشكالات أعضاء الشورى أوضح وزير العدل أنه “لا يعقل أن يربط قانون الصحافة بقانون العقوبات”، قائلاً “لا أرى أي موطئ قدم لاستدراج قانون الصحافة أثناء مناقشة هذا المشروع” مضيفاً “تمييع الأمر بهذه الطريقة لا يخدم القانون الذي نحن بصدد”، مشيراً إلى أن “قانون الصحافة لم يقر بعد”. وأكدت لولوة العوضي أن “قانون الصحافة قانون خاص وقانون العقوبات عام، والقواعد الفقهية تقتضي تقييد العام بالخاص”، معتبرة أن “المادة 169 من المشروع تضمنت عبارات إنشائية مطاطة”. أما العضو فؤاد الحاجي فأشار إلى خطورة الإعلام وضرورة تقنين وسائل النشر، مستشهداً بتداعيات حادثة الرسوم المسيئة لمقدسات المسلمين التي نشرتها إحدى الصحف الدنمركية قبل فترة. وأقر المجلس المادة (169) كما أوصت اللجنة المختصة. وفي السياق نفسه، أقر المجلس إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات برقم “69 مكرراً” تنص على أنه “تُفسر القيود الواردة على الحق في التعبير في هذا القانون أو في أي قانون آخر في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي وفقاً لمبادئ ميثاق العمل الوطني والدستور، ويعد عذراً معفياً من العقاب ممارسة الحق في حرية التعبير في هذا الإطار”. وبين وزير العدل أن “المادة تم وضعها في القسم العام من قانون العقوبات وهو المتعلق بالشريعة العامة تخفيفاً على المخالفين”. فيما قالت جميلة سلمان إن “المادة فضفاضة”، مشيرة إلى أن “الإطار اللازم لمجتمع ديمقراطي” كلمة فضفاضة توجب على القاضي اللجوء إلى التفسير. وأشارت إلى أن “قانون العقوبات يجب أن يظل واضحاً ومحدّداً وتكون الجرائم والعقوبات فيه محصورة”. كما اعترضت لولوة العوضي التعديل المقتضي حذف المادة 174 المتعلقة بحيازة الصور المسيئة للرموز الوطنية أو الدينية، مستغربة من عدم معاقبة من يسيء إلى رموز الوطن، قائلة “هذا الأمر لا يعقل”. وأضافت “المادة لم توضع اعتباطاً وحتى في بريطانيا يعاقب بعقوبات كبيرة على تشويه صورة الملكة”. وتابعت “ هل يعقل ألا يعاقب من باع واستورد وصنع بقصد الإساءة إلى المملكة ورموزها”. وبين وزير العدل أن “المادة وضعت في زمن كانت فيه حيازة المنشورات مخالفة”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن بعد ثورة المعلومات أن تظل قائمة”. وأضاف “التعديل يهدف إلى تجريم النشر، أما مجرد الحيازة فلم تعد المعاقبة عليه مقبولة، والمصلحة المرجوة من حذف المادة أكبر من مصلحة الإبقاء عليها”. وأيد جمال فخرو “حذف المادتين من قانون العقوبات، حتى نرتقي بقوانيننا لتتماشى مع قوانين الدول الحديثة”، معتبراً أن “هذه من المواد من التشريعات المقيدة للحريات، كما إن تقرير لجنة تقصي الحقائق أوصى بحذف كل المواد المقيدة للحريات”. وتنص المادة 168 من المشروع على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً كاذبة مع علمه بأنها من الممكن أن تحدث ضرراً بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة، متى ترتب على ذلك حدوث الضرر”، إضافة إلى أنه “يشترط في الأخبار الكاذبة والمتعلقة بإحداث الضرر بالأمن الوطني والمنصوص عليها في الفقرة السابقة أن تكون تحريضاً على العنف، أو من شأنها أن تحرض على العنف، وعلى أن يكون بينها وبين حدوث ذلك العنف أو احتمالية حدوثه رابط مباشر”. بينما تنص المادة 169 “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانية محررات أو أوراقاً أو صوراً مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير إذا كان من شأنها اضطراب السلم العام أو الإضرار بالصالح العام أو بالثقة المالية للدولة”.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90