^ بعيداً عن الشعارات الدعائية العدائية بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا التي لم تسفر عن أية تحركات على أرض الواقع رغم مرور عقود عليها، لنبحث عما يجمع بين هذه الدول فلربما اكتشفنا أن العداء وهمي وإعلامي يخدم مصالح معينة. جزء من حقيقة إيران كشفته مجريات الأحداث في الربيع العربي عبر موقفها الداعم لمجازر سوريا ضد المواطنين السنة من جهة وعدائها لدول الخليج العربية ودعمها للحركات الانقلابية الموالية لها من جهة أخرى تحت شعار نصرة الشعب المظلوم في تناقض يكشف النفاق الإيراني الذي يعتبر شعب دولة ما مظلوماً حسب مذهبه و طائفته ولا يتوانى عن الوقوف مع الجزار إن كان حليفاً في المذهب والسياسة. الضرر والعداء الإيراني موجه دائماً للجيران المسلمين الذين عانوا الأمرين من تحركاتها ضدهم بكل الوسائل، وواقعاً لم نشهد أي خطر إيراني على إسرائيل خارج الخطب الاستهلاكية، فمن هو “عدو” إيران؟ وإلى من تشير بالشيطان الأكبر؟ على أرض الواقع إيران تعادي العرب وبالأخص عرب الخليج وتنكل بعرب الأحواز وتمنع مواطنيها السنة من المناصب والمشاركة في الحياة السياسية وتقمع كل الأقليات ما عدا أقلية يهودية إيرانية لا تتجاوز 60 ألف شخص يحظون باثني عشرة معبداً في طهران وحدها بينما تخلو طهران من مسجد للسنة الذين يبلغ عددهم في إيران حوالي 20 مليون شخص، فمن تعادي إيران بالضبط؟ أما بالانتقال للموقف الأمريكي المتقاعس تجاه الإبادة التي يمارسها نظام الأسد -حليف إيران- على السوريين من جانب ودعم الحركات الانقلابية الموالية للنظام الإيراني في الخليج من جانب آخر تثور لدينا أسئلة وشكوك مشروعة حول حلف خفي بين إيران وأمريكا يتقنّع بالتصريحات العدائية لإبعاد الشبهات، هي شكوك يؤكدها تلاقي المصالح وتبادل الدعم بين الطرفين في أكثر من موقف كما سيرد في فقرات قادمة من المقال إلى جانب “فضائح” العلاقات الإيرانية الإسرائيلية. تحت “غطاء” التصريحات الإيرانية المعادية للدولة اليهودية والتي استطاعت لفترة ما أن تستميل بها عواطف العرب والمسلمين تكمن حقائق تظهر بين الفينة والأخرى عن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية والتي تؤكد الأولى أنها مقطوعة ومعدومة، وآخرها فضيحة التجارة البينية ومجموعة الشحن والنقل الإسرائيلية “الأخوان عوفر” التي باعت ناقلة نفط لإيران عن طريق شركة إيرانية تنقل المنتجات النفطية من إيران إلى إسرائيل، وسفن “عوفر” التي ترسو في موانئ إيران. لا يتوقف التبادل التجاري على النفط بل يمتد لمنتجات أخرى وبحسب رئيس رابطة الصداقة الإسرائيلية العربية يهوشوا ميري فإن قيمة العلاقات التجارية السرية الإسرائيلية مع إيران يبلغ عشرات الملايين من الدولارات سنوياً. الروابط التجارية بين إيران وإسرائيل تزدهر بحسب ما ذكره موقع صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية مؤخراً والذي ذكر أن هناك علاقات تجارية بين عشرات الشركات الإسرائيلية مع إيران وتتم عن طريق أطراف ثالثة. وتكشف تقارير جديدة إن حوالي مائتي شركة إسرائيلية لها علاقات تجارية مع إيران وفي مجالات مختلفة وهو ما يدحض أية مزاعم عداء وقطيعة بين الطرفين. موقع صحيفة إحرنوت نقل أن رحيم مشائي وهو مستشار لدى أحمدي نجاد صرح بضرورة إقامة روابط ودية بين إيران وإسرائيل وتؤكد الصحيفة أن نجاد أيد ذلك. ليست هذه هي الفضيحة الأولى لإيران صاحبة شعارات التضليل والاستمالة العاطفية فقد أثير في 1997 جدلاً حول بيع إسرائيل لإيران مواد مستخدمة في صنع الغازات السامة مثل الخردل والأعصاب، وعندما انفضح الأمر تنصلت إسرائيل بوضع أحد أفراد جيشها في الواجهة وحاكمته لتشتيت الرأي العام ونفي صلة إسرائيل رسمياً بالصفقات لكن أوستروفسكي وهو كاتب وعضو سابق بالاستخبارات الإسرائيلية أكد صلة ناحوم مباشرة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وفي 1986 كُشفت توجهات أمريكية لتشجيع “الحلفاء الغربيين على مساعدة إيران في الحصول على معداتها واحتياجاتها الحربية” وإن إسرائيل لها مصالح وعلاقات طويلة مع إيران وهذه العلاقات تهم صناعة السلاح الإسرائيلي وبيع السلاح لإيران وتقويتها في حربها ضد العراق وهو “عدو قديم لإسرائيل” وهو ما يؤكده ضرب إسرائيل للمفاعلات العراقية دون جعجعة وحروب إعلامية وشعارات تمتد لعقود كما تفعل مع إيران ويؤكد ذلك أن العداء الإسرائيلي كان منصباً تجاه العراق وليس إيران وما التصريحات بين إيران وإسرائيل إلا للتضليل وللتغطية على أهداف مشتركة بين هذين الحليفين الخفيين. لقد سهلت إيران قصف إسرائيل لمفاعل نووي عراقي عام 1981 وتم في عهد ريغان شحن أسلحة لإيران عن طريق إسرائيل، وقدمت إيران الدعم للجيش الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق التي تحكمها أنظمة لا تروق لطائفية إيران وعرضت طهران على الولايات المتحدة الإشراف على تدريب الجنود الأفغان الجدد وأصدرت إيران أوامر لمن يتبعها من الشيعة في العراق بعدم مقاومة الاحتلال الأمريكي البريطاني، كما كشفت وثائق سرية الفتوى مدفوعة الأجر التي أطلقها مرجع عراقي لضمان سلامة الجيش الأمريكي. جمع الإسرائيليين والأمريكان مع إيران هدف مشترك في العراق، إسرائيل تريد تدمير القوة العراقية التي تعتبرها خطراً، أمريكا تريد بدء “فوضاها الخلاقة” وشرق أوسطها الجديد من العراق والاستيلاء على النفط وضخ شركاتها هناك، وإيران تبحث عن نفوذ في العراق عبر الموالين لها وحصل ذلك بتمكين أمريكي لتسيطر على البلد ويكون لها صوتا “عربياً” يقف معها بعد تمكنها من سوريا عبر النظام الحليف، ولبنان عبر حزب الله. لا تختلف كثيراً التصريحات الأمريكية “العدائية” تجاه إيران عن نظيرتها الإسرائيلية فأمريكا تستخدم الصوت العالي دون أية خطوات فعلية فالعقوبات الاقتصادية على إيران لا يمكن مقارنتها بالعقوبات التي أنهكت العراق لعشر سنوات وصلت إلى حد صعوبة حصول العراقيين على الدواء والعلاج، أما انتهاكات حقوق الإنسان التي تتصدر إيران قوائمها أمام مرأى ومسمع العالم وتستخدمها أمريكا ذريعة لضرب الدول حسب مصالحها لا تتخذ أمريكا حيالها أية خطوات غير التصريحات التي باتت خالية من أي معنى لو قارنتها بالتصعيد الأمريكي حيال العراق وملف أسلحة الدمار الوهمية والاستناد على روايات ملفقة في خديعة انكشفت لاحقاً، ثم “جدية” أمريكا مع ليبيا ومصر وتونس فالتهاون الفاضح في التعامل مع الملف السوري الدموي ونظامه المتحالف مع طهران، في وقت تتبنى فيه أيضاً الولايات المتحدة صوت النظام الإيراني في البحرين عبر خلايا وأتباع طهران لتغيير التركيبة السياسية لصالح إيران الساعية لبناء مشروعها المسمى “البحرين الكبرى” على امتداد الخليج، لتنسجم بذلك مع مصلحة أمريكا التي ترى أن ثمة تيارين في المنطقة يمكنها إنشاء حلف جديد معهما بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد وهما تيار الأخوان وتيار ولاية الفقيه وفيما يحقق هدف الأطراف الثلاثة إيران وإسرائيل وأمريكا في تفتيت المنطقة واقتسامها بين هذه الأطراف التي تجمعها قواسم مشتركة خلف الكواليس مع إبقاء التصريحات العدائية قائمة في الواجهة للتغطية ومنعاً للإحراج بكشف الحلف بين دولة تدعي أنها راعية الديمقراطيات والمدنية في العالم وتمثل الحرية والليبرالية بينما تضرب المدنية في مقتل وتتحالف مع دولة دينية مذهبية تسعى للسيطرة والامتداد في الشرق الأوسط على أساس مذهبي، وهذه ليست سابقة لأمريكا فحليفها الأهم في الشرق الأوسط دولة استيطانية لها مطامع توسعية يحركها الدين وتتبنى مثل إيران نهج المظلومية والخداع والتمثيل