في كل دول العالم يعمد المعنيون بتصوير المظاهرات إلى التقاط صور تهتم بتوصيل معنيين أساسين، الأول بيان أعداد المتظاهرين ليعرف المعنيون بأن المظاهرة كبيرة وحاشدة ويمكن أن تحدث تغييراً ما، والثاني ليعرفوا حالة الغضب التي يعيشها المشاركون في المظاهرة عبر إظهار تعابير وجوههم، وهذا وذاك يوصلان الرسالة التي مفادها أن الشارع غاضب ويغلي وأنه صار على الحكومة أن تفعل شيئاً لتهدئته، بالاستجابة إلى مطالبه وتحقيق ما يريد.

بناء عليه يمكن القول بأن حرص المعنيين بالتصوير على إبراز ظهور المتظاهرين بتصويرهم من الخلف يؤدي بالضرورة إلى توصيل رسالة معاكسة وسالبة مفادها أن المظاهرة لا قيمة لها، فالحكومات لا تلتفت إلى المظاهرات قليلة العدد وتتعامل مع الوجوه وليس الظهور.

يضاف إلى هذا أن جعل التصوير حكراً على أشخاص معينين وإلزامهم بالتصوير بطريقة معينة يكشف حالة التناقض التي يعيشها منظمو المظاهرة خصوصاً إن كان من بين الشعارات المرفوعة مطالبات بالحرية والديمقراطية، لأن في هكذا حال لا يسمح لغير المكلفين بالتصوير بالتقاط الصور والفيديوهات، وهذا يقلل من قيمة المظاهرة ومن منظميها والمشاركين فيها.

طبعاً الواضح من إلزام المصورين بعدم إظهار وجوه المشاركين في المظاهرة هو «حمايتهم»، فمنظمو هذا النوع من المظاهرات يعتقدون أنه بهذه الطريقة لا يمكن للأجهزة الأمنية معرفة المشاركين فيها، وبالتالي لا يمكنها استدعاءهم للتحقيق إن لزم الأمر!

يكفي هذا مثالاً لبيان محدودية عقل وتفكير هؤلاء، حيث المنطق والواقع يؤكدان أن المعنيين بالأمن يمكنهم ببساطة – لو أرادوا – معرفة كل المشاركين في المظاهرة، فالعدد قليل ومن الطبيعي أن يتوفر في المكان من يمكنهم التقاط الصور بهواتفهم المحمولة والاستدلال على المشاركين!

أما إطلاق الفضائيات السوسة صفة «مظاهرة حاشدة» على هذا النوع من المظاهرات كسيرة الجناح فلا يكسبها هذه الصفة، وقيامها ببث لقطات لا تظهر سوى ظهور المتظاهرين يقلل من قيمتها ويؤكد محدودية عقل وتفكير أصحابها أيضاً.