أتذكر ذلك الإنسان الذي قابلته قبل سنوات وكان من أسعد الناس على وجه الأرض بسبب تحقق حلمه بأن يكون معلماً، شاب رياضي نشيط عبقري مبدع في عدة مجالات، ووقتها تنبأت له بمستقبل مبهر وأجيال عظيمة تخرج من تحت يديه.

إلا أن وضع صديقنا المعلم كسر رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي «وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي.. وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا»، فحتى غلابا لم تنفعه فلم يستطع أن ينال مطلبه لا بالتمني ولا بالمغالبة. هذا المعلم أو ما بقي من معلم فيه، التقيت به قبل أسابيع، شخص عبوس سمين، ضيق الأفق والملابس، همه وشغفه تبدل وتحول إلى إنسان يلهث خلف متطلبات الحياة التي لا تنتهي.

سألته عن الحال وما بدله، ألحّ أن لا أسأل، وأصريت أن أعرف، فكان جوابه أن الواقع لا يتطابق مع الأحلام، فلا تقدير للإبداع ولا تحفيز للمثابرة، القوي يأكل الضعيف، الساكت عن حقوقه يدفن، مؤامرات لا تنتهي فإما أن تكون ضمن فريق المدير أو مساعده، وفي الحالتين أنت تدفع ثمن هذا الصراع، تهديد بالنقل، بحرمان من الحوافز، بزيادة النصاب، الوزارة تقول شيئاً، والإدارة تقول شيئاً آخر. وإن سألت عن المردود فهو بالمقارنة بالجهد والوقت المبذول لا يقارن أبداً، مما يجبرك على البحث عن أعمال إضافية في أماكن مختلفة.

هنا انتهى سرد صاحبنا المعلم، هذا المعلم أو هؤلاء المعلمون الذين كنا نحقد عليهم ونتمنى أن نكون مثلهم، «رواتب عالية، إجازات طويلة، دوام قصير، تقدير»، لنكتشف مع الوقت بأنهم مثلنا طبقة كادحة لا رمز مميزاً في المجتمع.

لا يهم أنهم وسيلة لصناعة المستقبل أو تنشئة أجيال قادمة، لا يهم بأنهم الخطوة الأولى لتلقين أبنائنا أسس الوطنية والقيم وشغف العلم، فكل ما يهم أنهم رمز تحت هيكل وظيفي في ملفات جهاز الخدمة المدنية.

كم نتمنى من جهاز الخدمة المدنية أن تكون لديه آلية لتقييم بيئة العمل، ونفسية الموظفين، فكما هناك تقييم سنوي للموظفين يجب أن يكون هناك تقييم سنوي للمؤسسة وسلوكها، تقييم السلوك الإداري للمسؤولين. لا نطالب بمعاقبتهم أو اتخاذ خطوات حسابية ضدهم بل وضع آلية تراقب وتضع حداً للانحرافات الإدارية.