عباس المغني - "تصوير: إبراهيم الرقمي"

حاول اكتساب فن التعامل والمهارات الاجتماعية من والده منذ نعومة أظافره..وعندما وصل إلى الصف الرابع الابتدائي كلفه والده قراءة الرسائل التجارية باللغة الإنجليزية وهو لا يفهمها، حتى أصبح يتعلم الأساسيات التجارية شيئاً فشيئاً..

رجل الأعمال عبد الحميد الكوهجي..اسم لامع في عالم المال والأعمال، لا يعرف المستحيل ويصر على إكمال المشوار والوصول إلى النجاح، حيث يؤكد



لـ"الوطن"، أنه عندما أكمل المدرسة الثانوية تخصص تجاري بنجاح، أمره والده بأن يكون معه دائماً في المكتب، كي يجعلني أتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات بنفسه.

ودعا الكوهجي الشباب إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، وقراءة قصص النجاح لتغيير مسار حياتهم للأفضل، إلى جانب البحث والتفكير في الفرص المتاحة، فإذا أراد الشاب أن يكون ناجحاً عليه أن يفكر بالشيء قبل حدوثه.

"الوطن": كيف كانت نشأتك؟ وكيف كانت الحياة في الماضي؟

ولدت في منطقة الحالة بالمحرق، وكانت ولادتي فرحة كبيرة لا توصف بالنسبة لوالدي رحمه الله، حيث كان يريد ذرية بعد 20 سنة من الانتظار، لدرجة أن والدي حرص على أن أكون دائماً معه.

وكانت أيام الطفولة في غاية الجمال، حيث كنا نلعب الكرة على شاطئ البحر، وعندما يكون البحر جزراً، نصطاد السمك بطشت مدني مغطى بقماش شفاف وفيه فتحة صغيرة من الأعلى، ونضع داخله طحيناً لجذب الأسماك وإغرائه بدخول الطشت، وكانت مشاعر الفرح تغمرنا بصيد السمك، وكان أغلب صيدنا سمك الميد. وبعض الأوقات نصطاد القباقب ذلك الجيل، عاش أفضل وأجمل المشاعر بالرغم من بساطة الحياة وصعوبتها في ذلك الوقت.

كانت الحياة بسيطة، فالكل يحبك الكل يودك ما دمت أنت ابن الفريق فأنت ابن العائلة، أينما تذهب في الفريج تجد الترحيب والمحبة بغض النظر من تكون ابن فلاف أو فلان.

كل الأطفال يلعبون مع بعض ويقضون أفضل الأوقات الجميلة، والأم لا تسأل أين أنت ذاهب، لوجود حالة اطمئنان كبيرة في الفرجان، والكل يعامل أطفال الفريج كأبنائه، ويحرص على أن تستمر ابتسامات وضحكات الأطفال.

الطفل يدخل أي بيت في الفريج، ويخرج منه، وكأنه منزله، بسبب حالة الترحيب والمحبة بين أبناء وعوائل الفريج. ويتعاملون وكأنهم أسرة واحدة تربطهم علاقة قوية، ومن عاش في فترة السبعينات يعرف جيداً المعنى الحقيقي للحياة الاجتماعية، حيث كانت من أجمل الأيام.

في أيام المناسبات، تكون هناك فرحة عارمة بين الناس، الكل يكون سعيداً، مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى، أو شهر رمضان المبارك، وغيرها من المناسبات التي تغمر القلوب بالفرح والسعادة وتعزز الروابط الاجتماعية بين أبناء المجتمع.

في الوقت الحالي، للأسف فإن الهواتف الذكية سلبت عقول الشباب، ربما الشاب يعرف شخصاً في دولة أخرى بسبب برامج التواصل الاجتماعي لكنه لا يعرف جاره الذي يعيش بجانب منزله.

"الوطن": كيف بدأت حياتك في قطاع التجارة والأعمال؟

عندما أصبح عمري 5 سنوات، انضممت إلى مدرسة كانت تعرف باسم المدرسة الشمالية، أما اليوم فاسمها مدرسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، طلب مني والدي أن أذهب إلى المدرسة صباحاً، وفي العصر يصطحبني معه إلى المكتب.

وأنا صغير عمري 5 سنوات، لا أعرف شيئاً في التجارة، فلماذا أذهب المكتب؟ فقال والدي: "أريدك أن تجلس وتشاهد طريقة التعامل وكيفية الحديث مع الآخرين، وتسمع ما يقولون. وكان هدفه أن يكسبني فن التعامل والمهارات الاجتماعية إلى جانب معرفة التجار والناس وفهم احتياجاتهم التي تعتبر من أهم عناصر النجاح".

"الوطن": كيف تعلمت اللغة الإنجليزية؟

عندما وصلت للصف الرابع، كلفني والدي، بقراءة الرسائل باللغة الإنجليزية، وأنا لا أعرف اللغة، ولكن والدي قال المهم أن تقرأ فقط. وبعد فترة اشترى لي قاموساً لترجمة الكلمات، واشترك في صحيفة نيوز ويك الأمريكية، وطلب مني قراءتها وترجمتها كل أسبوع.

في البداية كانت هناك صعوبة شديدة حيث أنهي صفحة واحدة خلال أسبوع، وقبل أن أنتهي يأتي عدد جديد من الصحيفة. وكان هدف والدي أن يعلمني اللغة الإنجليزية لأنها ستكون لغة التواصل في التجارة والأعمال.

كما أن الهدف من قراءة الصحف والمجلات، هو الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالاقتصاد وحركة التجارة والأعمال ومعرفة المشاريع الجديدة، لكي أكون على اطلاع بالتطورات، واقتناص الفرص الموجودة، وهذا جعلني أحب القراءة، وخصوصاً قراءة الصحف والمجلات.

"الوطن": ماذا كان يهدف الوالد من تعليمك قراءة الرسائل؟

عندما كسبت مستوى معيناً في اللغة الإنجليزية، علمني والدي طريقة استلام الرسائل التجارية، وكتابتها، والرد عليها، حيث يطلب مني قراءة الرسائل المستقبلة وما هو الرد المناسب لكل رسالة، وهذه مهارة مهمة في قطاع التجارة والأعمال.

كما علمني كيفية التعامل مع الزبائن، وفي كل عام يحاول تعليمي مهارة بطريقة ذكية وعملية، وتدرج في إعطائي المسؤولية واتخاذ القرارات.

"الوطن": ما أهم القطاعات التجارية التي كان يعمل بها الوالد؟

الوالد رحمه الله، أول تاجر يصبح وكيلاً لسيارات إنجليزية، وقام باستيراد سيارات بيجو وسيارات رينو، وسيارات ستاندرد، وسيارات جاجوار.

وبعد فترة ترك الوكالات، وأبقى على سيارات جاجوار وبيجو، بعدها دخل مع محمد جلال في شراكة وتأسيس شركة باسم، شركة جلال والكوهجي للسيارات.

وكان الوالد ينظر للمستقبل، حيث أخذ وكالة إطارات بريجستون اليابابية سنة 1950 شركة ياماها للمكائن البحرية في 1960، وكانت الشركات اليابانية في ذلك الوقت غير مقبولة في الأسواق حيث ينظر أغلب الناس لها نظرة سلبية وتوصف من قبل المستهلكين بأنها تقليد ولا أحد من التجار يريد وكالتها، بينما كان الوالد يؤمن بأن هذه الشركة في المستقبل ستصبح من كبرى الشركات عالمياً في مجالها، والدليل أن شركة "ياماها" لم تكن مقبولة في العالم، حيث خرجت أول مكينة ياماها من اليابان للبحرين.

فعلاً الوالد - رحمه الله - خسر لسنوات طويلة بالتزامه بتسويق مكائن ياماها، ولكن بعد 7 سنوات من الخسائر، أصبحت الشركة الأولى عالمياً في المكائن البحرية، وعوض كل الخسائر، وانتقل للربحية.

وهذا حدث أيضاً مع إطارات بريجستون، حيث كان الالتزام معها صفقة خاسرة، ولكن الوالد، قال "إنه استثمار للمستقبل"، وفعلاً، بعد سنوات من الخسائر بتسويق إطارات بريجستون، أصبحت الشركة من كبرى الشركات العالمية.

وهذا علمني أن أنظر نظرة مستقبلية وليس حالية، فما يعتبر خسارة في الوقت الحالي، ربما يكون فرصة في المستقبل، وهذه النظرة التي علمني إياها الوالد - رحمه الله - أفادتني كثيراً في التجارة وساعدتني على تحقيق الكثير من النجاح.

"الوطن": كيف تحملت المسؤولية بعد وفاة الوالد رحمه الله؟

بعد أن أنهيت المدرسة الثانوية تخصص تجاري بنجاح، أمر أبي بأن أكون دائماً معه في المكتب، وعملت معه سنوات، وحينما مرض، حرص على أن يتركني وحدي في العمل بأعذار مختلفة، وكان هدفه أن يجعلني أتحمل المسؤولية وأتخذ القرارات بنفسي، ويهيئني لأمر كان يشعر به، فيسافر مع العائلة، ويتركني وحدي، ولكنه عندما يعود يراقب ويتأكد من صحة القرارات، وفي سنة 1974 توفي الوالد رحمه الله، وكان عمري 24 سنة، وأنا أكبر أخواني وأخواتي.

وكانت أكبر صدمة في حياتي هي وفاة والدي رحمه الله، لم أشعر بحزن مثل حزني على وفاة والدي، نحن نقبل بقضاء الله وقدره، لكن ألم الفراق والحنين كان بحجم الحب الذي أكنه لأبي، أحبه أعظم من نفسي وروحي.

وفي أول يوم أذهب للعمل بعد وفاة الوالد، كنت أقول من سيتخذ القرار ويتحمل المسؤولية؟، ولكن أحد المدراء عندما سمعني أردد هذا السؤال، قال لي: "كنت تدير الشركة أربع سنوات، حيث إن والدك تعمد أن يتركك وحدك لتتحمل المسؤولة". فقلت في نفسي، نعم كنت أدير الشركة وحدي...كان الوالد يخطط وينظر للمستقبل، وأهلني لأتحمل المسؤولية بعده.

"الوطن": كيف اقتحمت شركة الكوهجي قطاع الأثاث لتكون الأولى في ذلك الوقت؟

الوالد رحمه الله لم يركز على الأثاث، وإنما كان يستورد 6 أطقم في السنة فقط، حتى لو باع الأطقم خلال شهر، فإنه ينتظر العام المقبل ليستورد 6 أطقم أخرى، لم يحاول التوسع في مجال الأثاث.

وكان زميلي في الدراسة جاسم باقر، لديهم محل أثاث، وأذهب لزيارته في معرضهم وكان جميلاً، وكنت أحب الأثاث، وهو يأتي إلى محلنا الذي عبارة عن مكائن وسيارات وغسالات وثلاجات ومكيفات كلها مصنوعة من حديد.

بعد وفاة الوالد، دخلنا في قطاع الأثاث بقوة في سنة 1975، وكنا نركز على الأثاث الأوروبي حيث كان الطلب عليه من قبل الناس، ثم تخصصنا في الأثاث الأمريكي، وقررنا في 1978 بناء المعرض في السهلة، وكان يعتبر معلماً في ذلك الوقت، وافتتحناه في سنة 1981، وحققنا نجاحاً كبيراً في قطاع الأثاث.

"الوطن": ما هي قصة أغنية "لا تروح ولا تجي أحسن أثاث الكوهجي"؟

عندما كنا نجهز لافتتاح مبنى الكوهجي الذي يضم أكبر معرض أثاث للشركة بالقرب من مسجد الشيخ عزيز بالسهلة، أردنا تقديم شيء مميز يرافق افتتاح معرض الأثاث بالمبنى الجديد في ذلك الوقت، فذهبت إلى شركة برومو سفن، وطلبت منهم وضع أغنية مناسبة للافتتاح، فاقترحوا أن تكون أغنية لبنانية لأن الأغاني العصرية في ذلك الوقت هي اللبنانية والمصرية. ولكن رفضت، وطلبت منهم أن تكون أغنية محلية بحرينية، لأن الحدث بحريني ولا بد أن تكون الأغنية بحرينية.

فكانت الكلمات "لا تروح ولا تجي أحسن أثاث الكوهجي" وترافقها الموسيقى، وعند عرضها في شاشة تلفزيون البحرين لأول مرة، لاقت إقبالاً كبيراً وانتشرت بقوة في السوق، وأثرت بشكل لم يتصوره أحد، فكان نجاحاً مدوياً في طريقة التسويق.

وأصبحت هذه الأغنية جزءاً من الذاكرة الجميلة للجيل الذي عاش تلك الفترة، الكل يتذكرها، كل من عاش في الثمانينات يتذكر هذه الأغنية.

"الوطن": لماذا اتجهتم لتسويق الأثاث الأمريكي رغم أن الطلب كان على الأوربي في ذلك الوقت؟

في ذلك الوقت، أنا لا أعرف أي شيء عن أمريكا، وفي سنة 1976 قررت أن أسافر إلى أمريكا بهدف الاستكشاف والمغامرة.

وأمي وزوجتي أخذوا بالبكاء وحالوا إقناعي بتغيير فكرة السفر إلى أمريكا، وقالوا: "لا نريد أموالاً، نريدك معنا". وخوفهم نابع من المجهول، حيث لا نعلم شيئاً عن أمريكا، والأفلام التي تبث في التلفزيون عبارة عن كوبوي ومسدسات وقتل.

ولكن دافع الاستكشاف كان قوياً جداً، ونجحت في طمأنة أمي وزوجتي بأني سأكون بخير، وسافرت وحدي بدون مرشد إلى هناك، فوجدت معاملة طيبة، بسبب المهارات الاجتماعية وطريقة تدبير الأمور التي تعلمتها من أبي، والتي ساعدتني كثيراً هناك.

وكانت أسعار الأثاث الأمريكي مرتفعة لأكثر من ضعفين، عن الأثاث الأوروبي، فخاطرت بشراء كونتينر واحد.

وعندما وصلت البضاعة البحرين، بقينا 3 أشهر ولم نتمكن من بيع طقم واحد من الأثاث الأمريكي، بينما تم بيع الأثاث الأوروبي بسرعة كبيرة، لعدة أسباب، أن أسعار الأوروبي منخفضة مقارنة بالأمريكي بنسبة كبيرة، كما أن الثقافة السائدة تفضل الأوروبي، حيث كان الطقم الأوروبي عبارة عن كرسي 3 مقاعد، وكرسيين ذو مقعد واحد، بينما الأمريكي عبارة عن كرسي 3 مقاعد، وكرسي ذو مقعدين. وكان الناس مستغربين من وجود كرسي ذي مقعدين، أول مرة يتواجد في السوق مثل هذا النوع، وبسعر مرتفع.

وبعد 3 أشهر من عدم البيع، ذهبت بنفسي في المعرض لأتحدث مع الزبائن، وجاء زوج وزوجته، وكانا ينظران إلى الكرسي الأمريكي ذي المقعدين، نظرة سلبية، وذهبت لهما، وتحدثت معهما لأفهم عدم تقبلهما شراء الأطقم الأمريكية، فكان جوابهما أنه يضم كرسياً ذا مقعدين وسعره مرتفع بنسبة الضعفين عن الأوروبي.

فقلت لهما: الكرسي ذو المقعدين هو مصمم للأزواج ويسمى كرسي المحبين، فيه يجلس الزوج بجانب الزوجة، ويقوم بإطعامها فواكه، وهي تقدم الشاي للزوج، ويتبادلان الحديث، وتكون لديهم خصوصية، بينما في الطقم الأوروبي الزوج في كرسي والزوجة في كرسي آخر، وليس لديهما خصوصية عندما يتواجد الأطفال.

فأعجبت الزوجة بالمعنى، فقررت شراء الطقم الأمريكي، حتى أن الزوج تعجب، وقال: "قبل قليل تقولين السعر غالياً، والآن تريد شراءه؟!.

وبدأنا نسوق نفس المعنى لكل الزبائن الذين يزورون المعرض، وخلال أسبوع واحد بيعت الكمية بالكامل، ومنذ ذلك الوقت، لاقى الأثاث الأمريكي إقبالاً كبيراً جداً على الرغم من ارتفاع سعره، فطريقة التسويق لها قوة، ثم تخصصنا في الأثاث الأمريكي.

وكان قطاع الأثاث بالنسبة لشركة الكوهجي هو الخير والبركة بتوفيق من الله سبحانه وتعالى.

"الوطن": لماذا تخليتم عن قطاع الأثاث على الرغم من النجاح الكبير؟

بعد سنوات من النجاح الكبير في قطاع الأثاث، وحدوث تغيرات في السوق وتطورات، ودخول الكثير من التجار قطاع الأثاث، ولم نحب توجيه طاقات الشركة في دخول منافسة لا نهاية لها في قطاع واحد، بينما يعج السوق بالكثير من الفرص في قطاعات مختلفة، ففضلنا ترك السوق للداخلين الجدد في قطاع الأثاث. وكل واحد يأخذ نصيبه.

"الوطن": لماذا تخليتم عن قطاع السيارات؟

قطاع السيارات كان شراكة باسم "جلال والكوهجي للسيارات" في تسويق سيارات جاجوار وبيجو، وبعد وفاة الوالد رحمه الله، الشركاء قالوا، نحن شركاء مع أبيكم وليس معكم، طالبين إنهاء الشراكة، فقررنا إنهاء الشراكة لتكون سيارات الجاجوار والبيجو لصالح الشركاء.

وحافظنا على الوكالات التي كانت خاصة بالشركة وليس لدينا فيها شركاء، مثل المكائن البحرية لشركة ياماها وشركة ينمار وإطارات بريجستون وشركة الغسالات والثلاجات وغيرها.

"الوطن": ما هي قصة حصولكم على وكالة إل جي؟

الوالد رحمه الله، غرس فينا حب قراءة الصحف والمجلات، فكنت دائماً أقرأ الأخبار والتقارير الاقتصادية، فكانت الصحف الأمريكية تتوقع ظهور قوة اقتصادية في شرق آسيا تأخذ مكانة اليابان، وكانت التقارير ترشح عدة دول منها تايوان وهونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وكوريا، على الرغم أن هذه الدول في ذلك الوقت تعاني من مشاكل وفقر.

ولهذا فكرنا ببلدان شرق آسيا في، درسنا الأسواق لمعرفة الدول التي ستشهد طفرة في مجال الإلكترونيات، والتي ستنافس اليابان في الإنتاج في السنوات الخمس المقبلة، وسافرت عدة مرات لهذه البلدان، ولم نجد شيئاً مناسباً، باستثناء تايوان، ولكن هناك من سبقنا وأخذ الوكالات هناك.

ووجدنا في كوريا شركة "جولد ستار" لكونها أكبر شركة في كوريا في ذلك الوقت، وغير معروفة خارج كوريا، وتصنع تلفزيونات ومنتجات منزلية كالثلاجات والغسالات، وكانت شركة سامسونج صغيرة جداً لا يكاد لها وجود.

وبحثنا عن وسيلة اتصال للتواصل مع شركة "جولد ستار"، فعرفنا أن الشركة لها مكتب في الكويت، فسافر أخي عبدالله إلى الكويت للحصول على الوكالة لتسويق المنتجات في البحرين، ولم نصل لنتيجة، فقررنا أن نتواصل مع الشركة الأم في كوريا مباشرة.

فسافرت إلى كوريا في 1979، وطلبت مقابلة الرئيس، وكانت المقابلة على طاولة الغذاء، عندما دخلنا على الرئيس، نظر إلى البطاقة التعريفية، وقال: "أنتم وكلاء ياماها أكبر شركة مكائن بحرية في العالم، أنتم وكلاء بريجسون أكبر شركات الإطارات في العالم، أنتم وكلاء شركة ينمار أفضل شركة ديزل في العالم، ولديكم شركة أدميرال الأمريكية لديها أفضل الثلاجات في العالم، لماذا تريدون جولد ستار شركة لا شيء أمام تلك الشركات، لماذا جئتم لنا؟ وليس لدينا شيء؟.

فقلت له، الوالد رحمه الله أخذ شركة ياماها عندما كان لا أحد يعرفها، بناءً على يقينه أن هذه الشركة ستكون عالمية في المستقبل، وكذلك بريجستون عندما أخذ الوالد وكالتها لم يكن أحد يريدها، ولكنه كان ينظر للمستقبل، وأنا مثل الوالد أعتقد أن شركتكم "جولد استار" التي لا أحد يريد وكالتها، ستكون خلال 10 سنوات قادمة شركة عالمية مثل ما حدث مع شركة ياماها، وأنا مستعد أن أضع يدي بيدكم، وأتحمل كل الخسائر إلى أن تصبحوا من الأوائل.

فذهل الرئيس من الجواب، وصمت دقيقة وهو ينظر إلينا، وقال: "ضع يدك بيدي، أنت شريكنا، انتهى الاجتماع، الآن نتناول الغذاء".

وفعلاً، أثناء تسويقنا منتجات جولد استار طوال 7 سنوات متتالية كنا نحقق خسائر، ولكن الشركة حققت اختراقاً كبيراً في مجال الإلكترونيات وتحول اسمها من "جولد ستار" إلى "أل جي"، وأصبحت من كبرى الشركات العالمية في مجال الإلكترونيات. وهذا النجاح بفضل من الله، ثم مما تعلمناه من الوالد رحمه الله.

"الوطن": بما تنصح الشباب في ظل عالم سريع التغير؟

أدعو الشباب إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، وقراءة قصص النجاح لتغيير مسار حياتهم للأفضل، إلى جانب البحث والتفكير في الفرص المتاحة.

إذا أراد الشاب أن يكون ناجحاً عليه أن يفكر بالشيء قبل حدوثه، أن يفكر بالمستقبل وليس الآن، فمثلاً، فكرة توصيل الطعام عبر الدراجات النارية، قبل 15 سنة لو حاولت تطبيقها سيقولون عنك أنك مجنون لأنها فكرة خاسرة، ولكن اليوم اتضح أنها فكرة ناجحة وحققت مردوداً كبيراً لمن استثمروا فيها، اليوم طلبات المطاعم يتم توصيلها إلى المنازل.

أغلب النجاحات الكبيرة التي مرت في حياتنا كانت بقراءة المستقبل كما علمنا الوالد رحمه الله، فشركة ياماها لا أحد يريدها من التجار، بينما الوالد قال: "للمستقبل"، وكذلك باقي الوكالات.

ومن الأمثلة، شركات السيارات اليابانية، لا أحد يريدها، بينما العم إبراهيم كانو أخذ وكالة تويوتا للمستقبل، وفعلاً بعد سنوات طويلة أصبحت تويوتا كبرى الشركة العالمية في صناعة السيارة، فكانت نظرته صائبة. وكذلك فعل العم يوسف المؤيد.

الآن، هناك كم معلومات وبيانات ضخمة يمكن الوصول إليها بسهولة عبر الهاتف والكمبيوتر وبالمجان، بينما في الماضي كانت المعلومات قليلة وصعوبة الوصول إليها، وتشترى بالمال، الفرص اليوم متوفرة أكبر مما كانت في الماضي.

على الشباب أن ينظرو إلى الفرص نظرة مستقبلية، ليس المهم أن تربح اليوم، المهم أن تربح الغذ. الشباب اليوم لديهم فرص أن يكونوا أنفسهم من منازلهم، عليهم التفكير والقراءة والاطلاع ليتمكنوا من اقتناص الفرص.

القراءة مهمة ومفيدة، قراءة مايحدث في العالم، ففي الماضي كنا نشترك بالمال في صحف اقتصادية، أما اليوم المعلومات مجاناً، وكل ما تحتاجه أن تنوي وتنوع وتضع أهدافاً، وتعرف ماذا تريد، فكر في المستقبل وليس اليوم، فما هو موجود اليوم أخذه غيرك، فحاول أن تأخذ ما هو في المستقبل قبل أن يأخذه غيرك.

"الوطن": لماذا تقاعدت من الشركة؟

أنا منذ صغري كنت في الشركة، وتحملت المسؤولية الكاملة بعد وفاة والدي وكان عمري 24 سنة، وأكرمني الله سبحانه، بأخوان وأخوات هم الخير والبركة.

أنا إنسان لدي حياة عائلية، وكانت زوجتي أم عبدالجبار لعبت دوراً في تمكني من التوفيق في حياتي الأسرية والعمل، وأشكرها على هذا. فقد كنت في معظم حياتي منشغلاً بالعمل، ولم أكن أجتمع مع أبنائي إلا في يوم الجمعة الذي أخصصه لقضاء الوقت مع زوجتي وأبنائي والخروج برفقتهم. كما أخصص العطلة الصيفية للسفر معهم إلى الوجهة التي يرغبون فيها.

واليوم أترك مهمة إدارة الشركة لأخواني والجيل المقبل من الأبناء، واتفرغ لحياتي العائلية، فأحب الجلوس مع زوجتي وأبنائي، وأبناء أخواني وأخواتي، وأحب السفر مع العائلة، فمن أكبر النعم الإلهية أن تكون لديك أسرة. ونصيحتي للجميع عند السفر اصطحاب الأبناء ليفرحوا بوجود آبائهم؛ لأن هذه الفرحة تبقى عالقة في الذاكرة.

"الوطن": أجمل لحظة في حياتك؟

الحياة مع العائلة مع الوالد والوالدة وأخواني وأخواتي مليئة باللحظات الجميلة، وكذلك مع أبناء الفريج، ولكن عندما رزقت بأول مولود إيمان غمرتني سعادة لا توصف، وكذلك عند ولادة عبدالجبار، هدى، دانة، وسلمان، شعرت بسعادة غامرة عند ولادتهم.

ومن أجمل اللحظات التي أفتخر بها دائماً، تكريمي من قبل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بوسام الشيخ عيسى في 2001.

"الوطن": حدثنا عن دخولك غرفة تجارة وصناعة البحرين؟

أول مرة دخلت انتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين في 2006، وفزت بعضوية مجلس الإدارة، وكان رئيس مجلس الإدارة عصام فخرو.

أنا كلفت بمهمة رئاسة لجنة التحكيم، وعبر اللجنة ساهمنا في حل الكثير من القضايا التجارية بشكل ودي، ما أعطى اللجنة أهمية في وسط القطاع التجاري الذي يبحث عن الحلول التي تحفظ حقوقه.

وكانت اللجنة مهمة، حيث إن تنامي الاستثمارات بالبحرين خصوصاً في القطاع التجاري والإنشائي أفرز الكثير من التحديات أمام القضاء فكثير من القضايا هي نزاعات تنفر من الشكلية، فتكون المحاكم أو الجهات المتخصصة هي الأقدر على بحث هذه المنازعات فالقاضي الذي سينظر النزاع سيكون على دراية ليس فقط بالقانون المطبق بل بطبيعة النزاع نفسه وأهميته ودرجة السرعة المتطلبة في الفصل فيه.

وفي الدورة التالية لانتخابات مجلس إدارة الغرفة، فزت، وكلفت أيضاً برئاسة لجنة التحكيم.

وفي الدورة الثالثة والرابعة، كلفت برئاسة لجنة الصناعة، والتي ساهمت في حلحلة الكثير من المعوقات والتحديات التي يواجهها القطاع الصناعي في ظل الظروف الاقتصادية في المنطقة في ذلك الوقت وإيجاد الحلول الممكنة لتجاوزها.

كنت عضو مجلس إدارة في غرفة التجارة 3 دورات متتالية لمدة 12 سنة متواصلة. وأتمنى كل التوفيق لأعضاء مجالس الإدارة الحالي والقادم.

الشيء المزعج، هو الاتهامات التي تطلق على الغرفة وبدون دليل، والإساءة للغرفة بتسريب أخبار لا صحة لها، نتمنى أن يضع الجميع يدهم مع الغرفة، وعدم الانسياق للقيل والقال.

"الوطن": وماذا عن حياتك الاجتماعية؟

كنت عضواً في مجلس إدارة الأوقاف السنية سنوات طويلة، ورئيس مجلس إدارة نادي الحالة عدة سنوات، وكنت أذهب للمجالس والحديث مع الآخرين.

"لوطن": ولدت في منطقة الحالة وهي قرية ساحلية، ما هي علاقتك بالبحر؟

عندما كنا أطفالاً كنا نلعب مع أبناء الفريق، ونصطاد سمك الميد بطشت معدني مغلف بكيس قماش، نضع داخله الطحين، كما نصطاد القبقب، وكانت هذه اللحظات في غاية الجمال نشعر بسعادة كبيرة.

الوالد اشترى بانوش، بهدف النزه والتسلية بصيد السمك عن طريق الحداق. وكان الصيد وفير جداً، بالذات سمك الهامور والشعري، كانت أوقات جميلة مع الوالد رحمه الله.

وعندما نخرج من البحر، يقوم الوالد بتوزيع الصيد على الجميع، كل شخص ينزل من البانوش يأخذ معاه "جونية"، كما يقوم الوالد رحمه الله بتوزيع الأسماك على الجيران والفريق، ونأكل طول الأسبوع من الصيد.

فالذهاب للحدائق بهدف التسلية وقضاء أوقات ممتعة، وفي نفس الوقت توزيع الصيد على الجيران، ولم يكن الهدف البيع.

اليوم تغيرت الأمور، لو تذهب البحر أسبوعاً، لن تصطاد ربع ما كنا نصطاده في عصر يوم واحد، في تلك الأيام كان البحر مليئاً بالأسماك والخير وفير جداً.