كتبت - سماح علام:
يستقبل الفلسطينيون شهر رمضان المبارك بالتهليل والذكر والفرح، وتستعد الأسرة الفلسطينية - كل قدر استطاعتها - بتجهيز (مونة) رمضان، فمن يمشي في طرقات فلسطين يسمع التكبيرات ويرى الأنوار المضاءة احتفالاً بالشهر الكريم، إلى جانب توافد الناس على إقامة الصلاة في المساجد، حيث يحرصون على إبقاء العادات الرمضانية من إطلاق مدفع الإفطار والمسحراتي والتجمع في البيت الكبير باقية رغم حصار العدو الإسرائيلي وتفننه في تضييق العيش على الفلسطينيين بشتى السبل.. حرم السفير الفلسطيني في البحرين رحاب عبدالقادر اصطحبت «الوطن» في رحلة للأجواء الرمضانية في فلسطين التي لا تخلو من ألم النفس وضيق العيش.
رحاب عبدالقادر تنحدر من منطقة الدامون في عكة، وهي منطقة محتلة حالياً، هدمت بالكامل وسورت في 1948م، مما جعل أجدادها يختارون اللجوء إلى لبنان والاستقرار هناك.
وتتحدث حرم السفير الفلسطيني عن الأجواء الرمضانية قائلة: «تستعد فلسطين للشهر الفضيل كأي دولة عربية.. يستعد الناس بتجهيز (المونة) وشراء الجديد، وكأنما ست البيت ليس لديها شيء.. تشتري الجديد بفرحة وكثير من السعادة، تعد العدة، وتجهز الأغراض استعداداً للشهر الكريم، ولكن هذه الفرحة لا تخلو من المصاعب. فالمجتمع الفلسطيني يعاني من فقدان الأمان، ويتعطل في الطرق، حيث تقام الحواجز فقط لتعذيب الناس دون وجود سبب، مما يؤدي إلى التأخير لساعات.. يصل التعطيل لثلاث ساعات وكأن الأمرعادياً.. فنحن لا نكفي المشوار بشكل طبيعي، وليس مستغرباً أن نجد أناساً يفطرون على الطرقات، وآخرون يصلون في الطريق.. ولا نبالغ إن قلنا أن من يخرج في رمضان قبل الفطور قد يعود للمنزل الساعة 10 أو 11 مساء بسبب قطع الطرق ووضع الحواجز، فمنهم من يفطر في الطريق ومنهم من يبقى صائماً إلى حين عودته».
نفحات دينية
وعن صلة الناس بالأجواء الروحانية تقول حرم السفير الفلسطيني: «نحن بحكم معاناتنا في فلسطين، نتعرض لشتى أنواع القهر من الكيان الصهيوني الذي سلب منا بيوتنا وأرضنا وأملاكنا، لذلك يرتبط الفلسطينيون بالله أكثر، فيحرصون على أداء شتى أشكال العبادة من صلاة وصيام ونوافل.. وبطبيعة الحال تزداد هذه العبادات أكثر خلال الشهر الفضيل فيحرص المصلون على أداء صلاة جماعة، كما يصطحب الآباء أبناءهم أو أبناء جيرانهم الشهداء لأداء الصلاة، إلى جانب أداء صلاة التراويح والقيام التي تميز الشهر الكريم. كما نجد نساء القدس كلهن يلبسن الثوب الأبيض الذي نسميه ثياب الصلاة.
وتزيد في وصف الأجواء الدينية، قائلة «نجد النساء يكثرن من التسبيح والتهليل، فنحن في فلسطين نقترب من الله ونبتغي الخلاص مما نعيشه من عذاب، ولا أزايد في الوصف أو أبالغ عندما نقول أن الفلسطينيين لا يبلغون مساجدهم بسهولة، فيمكن أن يقطع المحتلون الطرق بأي وقت، ويمنعوا الناس من أداء الصلاة و«كف» مشوارهم.
المعاناة مستمرة
وبألم كبير وعيون دامعة تصف حرم السفير الفلسطيني الوضع المعيشي في فلسطين قائلة «على قدر ما ينقل في وسائل الإعلام إلا أنه لا يمكن وصف واقع الحياة هناك، فلو نقلت وسائل الإعلام معاناة الشعب بالشكل الصحيح، وأبرزت انتهاكات البيوت والحرمات والظلم والتهديد والقتل والتشتيت، لما كان حالنا كما هو عليه، ولو صورت وسائل الإعلام ونقلت الوفود الزائرة لفلسطين قصص الإعاقات واليتم التي تحدث يومياً لما كان هذا وضعنا، إذ يعز علي وصفنا باللاجئين، ويعز علي حمل جواز سفر كتب عليه اللاجئون الفلسطينيون، فإلى متى يظل الفلسطيني غريب في أرضه ووطنه.
وتردف قائلة «نحن المسلمون نأخذ إذن من السلطات من أجل غسل المسجد أو تبديل السجاد فيه، كما نطلب تصريحاً من أجل إصلاح باب أو شباك في مسجد الأقصى، إن المعاناة التي نعيشها لن يشعر بها أحد إلا من يمارسها، فنحن نتأخر في الطرقات، يتأخر المصلي على المسجد، ويتأخر الطالب على مدرسته أو جامعته، ويتأخر المريض على الطريق بدل أن يصل إلى المستشفى بسرعة، هذا بخلاف اليتم والتشرد والترمل الذي يواجهه الشعب الفلسطيني».
الهلال والفانوس
رغم كل المعاناة اتي يعيشها الشعب الفلسطيني، فإن حالة الفرح والبهجة بالشهر الكريم باقية ومتأصلة في نفوس الناس، وعنها تتحدث حرم السفير قائلة: «هناك حالة من الفرح لاستقبال الشهر الكريم، فالنساء يضئن الهلال والفانوس والنجمة في الطرقات أو معلقة على «الشبابيك» في كل مكان. هذه الزينة تضاء في كل من جنين ونابلس والقدس ورام الله وغيرها من المناطق، ولكن القدس خصوصاً لها طابعها الخاص، فهي أكثر المدن قدسية وأكثر المدن التي تنبض بأجواء رمضان سواء كان ذلك في الأسواق أو الطرقات أو في الحرم نفسه.
المائدة الفلسطينية
وعن المائدة الفلسطينية تقول حرم السفير: «المائدة الفلسطينية مائدة شهية عامرة بـ«الأطايب»، تبدأ الأسرة فطورها بالفتوش والشوربه، ثم تقدم البطاطا المقلية من أجل الأطفال إلى جانب طبق رئيسي كالمقلوبة أو الملوخية مع الرز أو الفريكه أو المنسف أوالمحاشي، إضافة إلى الخبز العربي. أما الحلويات فمن أشهر الحلويات لدينا الكنافة والقطايف، إضافة إلى باقة من العصائر الطازجة كعصير البرتقال والليمون وقمر الدين».
وتضيف كل هذه المائدة لابد من أن تقدم في أواني جديدة احتفالا بالشهر الفضيل، سواء كان الصحن الرئيسي أو صحون أفراد الأسرة أو «الكبايات»، فهذه أجواء رمضان التي لا يختلف فيها الفلسطينيون عن إخوتهم العرب.
العادات باقية
العادات والثقافة والتقاليد ثلاثة عناصر تتحدث عنها حرم السفير الفلسطينـــــي قائلـــــة إن العـــــدو الاسرائيلـــي يحاربنا ليــــس علـــى أرضنا فقط، بل إن حربه تصل إلى محاولات طمس هويتنا، لذلك يقف الفلسطينيون صفا واحداً للحفاظ على العادات والتقاليد والثقافة الفلسطينية، فلا يمكن تركها لهم، فالاحتلال يريــــد طمسهــــا ويريد أخذها منا، فقد أخذوا لباسنا التقليدي وشوهوه وجعلوه لباساً لمضيفات طيرانهم، وأخذوا أطباقنا وأكلاتنا الشعبية.
تسكت برهه ثم تضيف «سرقوا أرضنا والماء.. وبقي أن يسرقوا الهواء منا».
وعن ليالي رمضان تقول «لدينا المسحراتي، وهي عادة يحرص الفلسطينيون على بقائها، خاصة أن الأطفال ينتظرونه ويدقون الطبول معه ويدورون في الشوارع لإيقاظ الناس للسحور. إضافة إلى جلسات الذكر وقراءة القرآن، حيث يتسابق الناس لأداء ختمة القرآن الكريم».
الثوب الفلسطيني
للثوب الفلسطيني مكانة عالية في الثقافة الفلسطينية، وعنه تقول حرم السفير التي ارتدت ثوباً فلسطينيا تمت حياكته وعمل تطريزاته بأيادي نساء فلسطينيات: «ترتدي النسوة الثوب الفلسطيني في جميع المناسبات، فهو اللباس الرسمي لدينا، ترتديه المرأة في الحفلات و«العزيات»، كما ترتديه في حياتها العادية عند الخروج من المنزل، وهذا الثوب معروف بتطريزاته التي تحاك باليد ، فكل منطقة لها «قطبة» خاصة فنعلم من النقش إلى أي منطقة تنتمي السيدة التي ترتدي الثوب، ولكن ثوب القدس تحديداً هو ثوب مميز يجمع ألوان العلم الفسلطيني كلها».
نعمة الأمان
توصي حرم السفير الفلسطيني بوجوب الشكر الدائم على نعمة الأمن والأمان، وعنها تقول: «لا يشعر بقيمة الأمن والأمان إلا من فقده، لذلك وجب الشكر على هذه النعمة العظيمة، فنحن فلسطينيون تركوا بلدهم «بالغصب» منذ عام 1948م، ونحن خامس جيل يعيش خارج وطنه ولا يستطيع دخول أرضه، ولكم أن تتخيلوا أننا نحتاج لأخذ تصاريح لدخول بلادنا من عدونا، فأي مرارة نتجرعها كلما أردنا زيارتها».
وتزيد قائلة: «أنتمي لمنطقة الدامون في عكة وهي منطقة هدمت بالكامل، وقام العدو الإسرائيلي بتسويرها بالكامل، ووضعوا عليها لافتة كتب عليها «ملك الغائبين»، فهم أعطوا لأنفسهم الحق لاغتصاب أرضنا وتسويرها وحفظها لسنوات من أجل ناس غايبين لديهم، وأنا موجودة ولي الحق الكامل في أرض جدودي، فأي ظلم هذا».
يتفوقون بطائراتهم
تختم حرم السفير الفلسطيني رحاب عبدالقادر حديثها قائلة: «هم يتفوقون على الشعب الفلسطيني بطيرانهم فقط، فلو لم يكن هناك طيران، سيقف الشباب الفلسطيني أمام دباباتهم دون خوف، فهذا الكيان الذي اغتصب أرضنا متجرد من الأخلاق ومن المعايير الإنسانية ومن المبادئ، ولكننا ها نحن نستمر في حياتنا، ونعيش أيامنا بحلاوتها ومراراتها من أجل البقاء، ومن أجل الدفاع عن حقنا في وطننا، فمع الأسف الشعوب العربية لم تتعلم من تجربتنا، ولم تعتبر من وضعنا، وستبقى فلسطين حاضرة في قلب ودم كل فلسطيني سواء كان داخل الأراضي الفلسطينية أو مغترباً في الخارج».