هل هناك نية بالفعل لتمديد سن التقاعد في قطاعات الحكومة؟!

هذا سؤال مازال الناس يطرحونه بشأن ملف التقاعد وما يرتبط به من قانون منظور أمام مجلس النواب ومقدم من الحكومة، والذي يتضمن رفع السن التقاعدي، وهو أمر ساهم في توجه كثيرين للاستفادة من خيار التقاعد الاختياري الذي طرح سابقاً.

إن كانت من نوايا لمد السن التقاعدي بما يعني قضاء الموظف سنوات أطول في موقع عمله، فيفترض في المقابل أن نشهد عمليات إصلاح واسعة في «بيئات العمل» الموجودة في قطاعاتنا.

هذه المسألة تقودني لإعادة طرح أفكار سابقة كتبناها هنا بشأن بيئات العمل، وكيف أننا نعاني من وجود أنواع لبيئات عمل «قاتلة» بالنسبة إلى بعض الموظفين، وكذلك وجود بيئات عمل تنفر الموظف وتدفعه للهروب منها عبر انتهاج سياسات «التطفيش»، وهذا واقع له شواهده ولا يمكن نكرانه، في مقابل وجود بيئات عمل «نموذجية» تجعل الموظف يتمسك بموقعه فيها ولا يفكر حتى بالتقاعد المبكر، بل سيطلب تمديد مدة عمله إن وصل سن التقاعد.

اليوم إن كنا نريد لهذا الموظف أن يكون أداة للإنتاج والابتكار والعمل الدؤوب والاجتهاد الذي يحقق الأهداف الموضوعة لكل قطاع في الدولة، فعلينا أن نهيئ له بيئة عمل «يبدع» فيها و«يتطور» من خلالها و«تتفجر» طاقاته داخلها، لا أن نقبل باستمرار بيئات عمل «قاتلة» تدار بأساليب إدارية «خاطئة» فتساهم في «قتل» كل طموح ودافعية واجتهاد في نفس الموظف.

هذه معادلة ثابتة؛ إذ إن كنت تنشد النجاح من خلال الابتكار والإبداع والإنجاز، فلا تترك مجالاً لأي مسؤول يمارس «الإدارة الخاطئة» ليتحكم في مصائر موظفين من بينهم المبدعون وأصحاب المؤهلات والمميزون، إذ للأسف نرى السعي لتحقيق الأهداف الكبيرة في قطاعات عديدة، لكن أسلوب إدارة هذه القطاعات عبر أشخاص يحولون مواقع العمل إلى «مقابر» لقتل نفسيات الموظفين هو ما «يعرقل» أي تحركات إصلاحية وأي خطط للتطوير والإنتاج.

وعليه إن كنا نريد إطالة عمر الموظف في موقع عمله فلا يجب تركه تحت رحمة إدارة لا تفقه أساسيات الإدارة الصالحة، لا يجب ترك الموهوبين والمميزين والكوادر التي صرفت عليهم الدولة لتأهيلهم وتطويرهم ليتحكم في مصائرهم أشخاص يفشلون في خلق بيئات عمل صالحة.

هل يمكننا إجراء مسح معلوماتي دقيق بشكل جميع الموظفين كل في قطاعه لمعرفة انطباعاتهم ورأيهم في الأساليب الإدارية التي تمارس عليهم؟! هل يمكننا تحديد القطاعات التي يفضل الناس العمل فيها وأسباب ذلك إن كانت راجعة إلى أسلوب الإدارة فيها؟! وفي المقابل ما هي القطاعات التي ينفر الناس منها بسبب أسلوب الإدارة فيها، وهل هي في حاجة لإصلاح عاجل؟!

مرت علي شخصياً حالات لموظفين انتقلوا من مواقع عملهم إلى أماكن أخرى، والسبب كان بيئة العمل التي تحولت لبيئة «رعب وانتقام وتعذيب» بسبب سوء الإدارة، وكيف أن الاختيار اتجه لبيئة عمل نموذجية ومثالية تحمي الموظف وتطوره وهذا عائد إلى أسلوب الإدارة فيها، وعليه فإننا نمتلك اليوم شواهد على وجود النوعين من أساليب الإدارة، إذ لدينا أنواع من المسؤولين، أولئك الناجحون إدارياً ويقابلهم الفاشلون في الإدارة.

أطرح فكرة تمديد سن التقاعد على شخص يعمل بكل أريحية في قطاع يدار بعدالة إدارية ويطور البشر فيه، وعلى شخص يعمل في قلق ورعب وتوجس في قطاع يدار بالفوضى والتخبط والمحسوبية وغياب العدالة الإدارية، لترى بالتالي من يهب ركضاً ليتقاعد ومن يبتسم ويظل متمسكاً بموقع عمله، بل يبدع فيه.