يتناهى إلى الأسماع رفع أذان صوت الظهر بين جدران الحي العتيق في العاصمة المغربية الرباط، والشمس ترسل أشعة تلفع الرؤوس، بينما تنتشر على جنبات الطريق، على اليمين وعلى اليسار، محال تجارية تنبعث منها روائح شهية لمنظر يسلب بقوة أنظار الصائم في أيام شهر يونيو الطويلة في المغرب.
فما إن تتخطى بابا تاريخيا، ينتقل الزائر من الرباط الحديث إلى الرباط العتيق، وفي الاستقبال عشرات المحلات التجارية التي أكملت زينتها، على غير عادتها، لتتحول إلى سوق خاص برمضان الكريم، وتنادي بصوتهن على الزبائن، نسوة يشتغلن بكل همة إلى جانب الرجال، يبعن أشهر حلوى مغربية في رمضان، الشباكية أو المخرقة، وفق التعبير المحلي بالعامية.
ويتطاير النحل فوق صحون كبيرة الحجم، ترتفع عليها قمم صغيرة على شكل مخروطي من الحلويات، من مختلف الأشكال والزخارف، وتفوح من المحال الرمضانية روائح المكسرات والسكر، فيما نثرت النسوة على الحلوى الزنجلان البني اللون.
تجمعت هنا كل المكونات لجذب العابرين لشراء ولو نصف كلغ من حلوى رمضان، وتستعين النسوة بالابتسامات العريضة، وتبادل عبارات تهاني رمضان، ودفع الزبون إلى الاقتراب أكثر بعبارة: "من لا يشتري ليتنزه"، كل حيل الترويج ولو البسيطة صالحة للاستعمال في رمضان المغربي.
ففيما يشبه مختبرا أمام الزبون تنقسم النسوة العاملات في المحال التجارية في الأسواق العتيقة إلى فريقين اثنين، الأول منهن منهمك طيلة الوقت في لوحة تقترب من المسرح في تقطيع العجينة ودلكها بعصا من خشب على طاولة لاستخراج قطع مستطيلة، تحولها أنامل النسوة إلى أشكال رفيعة من العجين سرعان ما تجد مكانا لها في مقلاة كبيرة الحجم، ممتلئة بالزيت، يحرك أطرافها رجل يرتدي وزرة بيضاء اللون.
وينخرط الفريق الثاني من النسوة في تجميع حلوى "الشباكية" في صحن كبير الحجم، بعد غمسها في سطل من عسل السكر، لترسل الحلوى بريقا بنيا عقب لفها بورق من البلاستيك الشفاف، ليتم لاحقا تقديمها أمام أعين الزبائن والعابرين، لأن زقاقات الحي العتيق مكتظة خلال ساعات النهار في رمضان.
ففي كل أركان الأسواق التراثية المغربية، يتحول رمضان عملياً إلى رأسمال للتجارة وللترويج لسلع الشهر الفضيل، وعلى رأسها ما يرتبط بمائدة الإفطار، فمن النادر أن تخلو وجبة الفطور الرمضاني من حلويات تقليدية مغربية.