أجزم أنه لم يخطر ببال الشاعر العباسي، ابن نباتة السعدي، أن يضع الصحافة والإعلام ضمن أسباب الموت في بيته المشهور «ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد».

تذكرت هذا البيت وأنا أتابع خبر وفاة 4 صحافيات مصريات خلال عشرة أيام، أغلبهن بشكل مفاجئ وحالة واحدة فقط بعد صراع مع المرض، وهو ما فتح باب الذاكرة مشرعاً على زملاء فقدهم الجسم الصحافي البحريني خلال الأشهر الماضية، بعد أن تركوا أثراً وأعمالاً لا تنسى.

لطفي نصر.. فاروق ألبي.. سناء صقر.. هزاع البوسميط.. والخال والمعلم العزيز هشام عدوان، وغيرهم.. اتفقوا جميعاً على الرحيل لكنهم تباينوا في طرقه، فما بين السرطان والقلب والسكتة القلبية وهبوط السكر، كانت النهاية المحتومة والأجل الذي لا مفر منه.

نؤمن بأن لكل أجل كتاباً كما نؤمن بحتمية الإرادة الإلهية، لكن السؤال هنا هل لهذا الموت وأسبابه من علاقة مباشرة بالعمل الصحافي، مهنة المتاعب، كما يقولون؟!

تشير نتائج دراسة استمرت 17 سنة نشرها علماء معهد «قوانغتشو» في الصين بشأن أخطر المهن على صحة وحياة الإنسان، وشملت حوالي 140 ألف شخص يمارسون مهناً مختلفة، وتوصلت إلى أن مهنة الصحافة تُعد واحدة من تلك المهن.

وبالتأكيد فإن خطورة مهنة الصحافة لا تقتصر على العمل الميداني والمراسلين الذين يغطون الأحداث والحروب والكوارث، وإنما يمتد أيضاً إلى الإعلاميين الذين يعملون في مجالات آمنة، كمقدمي البرامج والعاملين في الصحافة الفنية، حيث يعانون من توتر وضغط كبيرين بسبب الرغبة في التميز ومحاولة الوصول إلى السبق الصحافي، إلى جانب ما يمكن أن تفرضه الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة في المجتمع، ما قد يضعهم تحت تأثير توترات نفسية شديدة، مما يسبب إصابتهم بالجلطة الدماغية أو السكتة القلبية.

واليوم ونحن بانتظار مناقشة وإقرار قانون الصحافة البحريني الجديد خلال دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب، حسب ما صرح أكثر من مسؤول، فإننا بأمس الحاجة إلى مراعاة خصوصية هذه المهنة، وما لها من تأثيرات مادية ونفسية وصحية على الصحافيين.

وأخيراً؛ وكما وجه جلالة الملك المفدى، نحتاج قانوناً عصرياً للصحافة والإعلام يلبي تطلعات الأسرة الإعلامية ويعزز الحريات المسؤولة، ويحقق المصلحة الوطنية في مجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع مكوناته، ويرتقي بالإعلام الإلكتروني، ويواكب إنجازاتنا الوطنية الرائدة في التحول الرقمي وتحديث البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات.

إضاءة

«.. نجدد فخرنا بالتاريخ العريق لصحافتنا الحرة والمستقلة وإعلامنا الوطني المسؤول، ودورهما الحيوي على مدى أكثر من ثمانية عقود في نشر الحقائق والمعلومات الصحيحة، وتغليب المصلحة العليا للوطن وجميع المواطنين فوق أي اعتبار بمهنية وموضوعية». «حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه».