عمّر الإنسان آسيا وأفريقيا قبل أن يعمّر أوروبا ومع ذلك تسمى بالقارة العجوز ويعود مصطلح التسمية لكثرة المعمرين بها وقيام الحضارات القديمة فيها كالإغريقية والرومانية والبيزنطية، ولكنها نقيض مستعمراتها أو العالم الجديد لأنها جزء من العالم القديم بالأصل آسيا وأوروبا وأفريقيا. وتواجه القارة العجوز الأسوأ من جراء وباء كورونا، لكن اللافت للنظر هو أن ارتفاع الإصابات والوفيات والإغلاقات مقارنة بأفريقيا بمثابة «صدمة»، على مستويات صناعة القرار الأوروبي. فقد شهدت القارة الأوروبية، انتشار كورونا وسرعان ما أصابها بعجز اقتصادي كبير رغم إمكانياتها الكبيرة.

فالمشهد هناك فسيفساء كارثية، والأسوأ لم يصل حتى الآن، فكورونا تهدد أوروبا من جديد مع انخفاض درجات الحرارة، ولا تملك دول القارة العجوز أن تواجه الموجة الرابعة بإجراءات تقييدية، فألمانيا تستهدف غير المطعمين، والنمسا تفرض إجراءات صارمة على التنقل، وهناك توسع في فرنسا في توزيع الجرعات المعززة. يناقض ذلك تواصل التظاهرات في مدن أوروبية عدة ضد الإجراءات الحكومية، حيث تواجه السلطات الصحية والأمنية الأوروبية معضلة تنامي عنف مجموعات رافضي اللقاح، بل وتسويق نظرية المؤامرة وتزايد الدعوات ليس لرفض اللقاح بل الدعوة لاستخدام العنف والمواجهة في الشارع، ولو عن طريق السلاح والقنابل كما في إيطاليا وبعض مناطق فرنسا.

أما الأسباب التي أوصلت القارة العجوز إلى الحضيض وفشلها في مواجهة كورونا فيما نجحت دول أقل إمكانيات من أفقر الدول الأوروبية من تجاوزها فيعود إلى أسباب أولها سيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد، ولي الحكومة مما يعني أن من لا يعمل لايأكل وليس هناك رواتب تصل إلى حساب الموظف الحكومي كما هو في بلداننا مما دفع الناس للخروج للعمل فراراً من الجوع . أما السبب الثاني فهو القيم الديمقراطية ضد القيود والإجبار وحرية الاختيار. يضاف إلى ذلك سبب ديمغرافي والنسبة المرتفعة لكبار السن وضعف مناعتهم مقارنة بالقارات الأخرى.

بالعجمي الفصيح

معاناة أوروبا من كورونا يهدم نظرية فرانسس فوكوياما «نهاية التاريخ» وأن الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية قادرة على التكيف مع كل التحديات وحل مشاكل البشر وما سيأتي بعدها لن يخرج عن مضامينها، فقد ثبت أنها ليست المخلص.