حققت المرأة البحرينية، العديد من المكتسبات على كافة الأصعدة، وشهدت منزلتها في الواقع الاجتماعي والتنموي والثقافي تطوراً مشهوداً، خاصة تبوؤها منزلة المواطنة المتساوية في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، الذي جعل ذلك حقيقة في التشريع وفي الممارسة العملية. إلا أن هذه المساواة في الحقوق والواجبات في إطار الدولة المدنية الحديثة، لم يكن كافياً من دون جهد للتمكين الذي تضافرت لتحقيقه جهود الدولة والمجتمع المدني معاً، وخاصة المجلس الأعلى للمرأة الذي يحتفل اليوم بمرور عشرين سنة على تأسيسه، كأحد أهم عناوين التحديث والتطوير لواقع المرأة، والذي ما يزال في حاجة إلى المزيد من الدعم والتعزيز. فبالرغم من كل ما تحقق للمرأة من مكاسب، فإن الدفع في اتجاه المزيد لا يكفي لتحقيقه تطوير التشريعات فحسب، بل يتطلب أيضاً مراجعة الإطار المعرفي والثقافي الذي ننطلق منه ويؤطر الرؤية والمنظور، بإعادة قراءة التراث وتحديثه، من زاوية تنويرية يجتهد في وضع المرأة في موقعها الذي تستحقه، بعدما برهنت على ما تمتلكه من قدرات وقدرة على الإبداع والمشاركة في التنمية، بعيداً عن القراءة التقليدية التي بوأت المرأة مكانة متدنية وثانوية على صعيد الحياة العامة «خاصة السياسية»، حيث تبقى المرأة في الصف الثاني أو الثالث في سلم اتخاذ القرار، ضمن تلك القراءة المحافظة. ولذلك لامناص من تقديم قراءة مستنيرة بفكر منفتح، تتغلب فيها المصلحة العامة عن القوالب الجامدة، إذ لا يمكن الحديث عن مجتمع حديث أو عصري ومتقدم ومنفتح، بمعزل عن تحديث وضع المرأة فيه، وما لم تتمتع فيه المرأة بمكانتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية الكاملة. إن تطوير مكانة المرأة في المجتمع يبقى صيرورة طويلة المدى، تشريعية وسياسية وثقافية، ضمن جهد مستدام يتوجه إلى القاعدة الثقافية لتطوير العقليات والسلوكيات، لمقاومة التراكمات التاريخية التي تجعل عملية التغيير صعبة وبطيئة. وهذا يتطلب جهداً إصلاحياً يمس بنية الثقافة والتعليم والتربية الأسرية نفسها، من خلال، رؤية واضحة وعزيمة صادقة، لتسخير الأداة السياسية والتشريعية والتربوية لهذا الغرض. وقد يكون من حسن حظ المرأة في البحرين أن المشروع الإصلاحي قد كرس حقوقها كاملة في إطار دولة المواطنة المتساوية، عبر التشريعات والنظم الإدارية، إضافة إلى الدور الحيوي الذي يضطلع به المجلس الأعلى للمرأة، برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى، للانتقال من موقع المساواة التي كرستها التشريعات، إلى التمكين الذي لابد منه لوضع المرأة في مسار المشاركة الكاملة والمتساوية، في مجتمع متعطش للحداثة والتطوير، لمواجهة التقلبات العميقة التي يشهدها العالم، وفي ظل تعقّد عملية التنمية، إذ أصبح المطلوب التركيز على دور المرأة التنموي في الحياة العامة، بنفس القدر الذي يركز على مكانتها وحقوقها عامة.