ما هي قصة جناح البحرين في إكسبو؟ قلت لهم هل تصلكم التعليقات التي تقال عن الجناح؟ إنه لا يمثل البحرين، إنه بعيد عن الذائقة البحرينية، إنه يفتقد اللمسة الجمالية... إلخ.

انتهزت فسحة من الوقت بعد انتهاء الاحتفال بجائزة الصحافة العربية في قاعة الوصل في إكسبو وزرت جناح البحرين، وحين دخلت اجتمع حولي شباب بحريني كالورد بنات وأولاد بعضهم موظف في هيئة الثقافة كعايشة الشاعر ومريم الخليفة، وبعضهم من مجلس التنمية الاقتصادية، وشاب من لآلئ المحمود ومن المتطوعين البحرينيين تحدثوا عن الجناح وكأن الموضوع يمسهم شخصياً، وحين شرحوا لي وأخذوني في جولة داخل الجناح سألتهم عن تقييم الزوار للجناح؟ وأجمل ما سمعت أن «جناح البحرين» ضمن أفضل الأجنحة في قائمة الوفود عند أكثر من دولة؛ ففي كل جناح هناك قائمة ترشحها الدولة لزوارها تنصحهم بزيارته فالإكسبو يضم 192 جناحاً، ولن يتاح للزائر زيارتها جميعها، فكل دولة تضع لوفودها من كبار الشخصيات قائمة مختارة ومنتقاة، ولا تخلو قائمة مفضلات من اسم جناح البحرين.

ليست المسألة تراثاً وفلكلوراً وتاريخاً فحسب يطلبه الإكسبو، فالإكسبو يحرص دائماً على أن تعرض كل دولة مدى قدرتها على توظيف تراثها ومخزونها للانطلاق للمستقبل، ومدى قدرتها على تكييف تحدياتها وصعوبات مكوناتها وتحويلها لفرص، على الجناح أن يترجم في هذه الأفكار هندسة الجناح، وفي معروضاته وحتى في القائمين على العمل فيه من موظفين، ومن متطوعين ومن قائمة الطعام، عليك أن تجمع كل هذه العناصر معاً ملتزماً بشعار الإكسبو، في «تواصل العقول وصنع المستقبل» وأحد أفرعه الاستدامة، واختارت البحرين أن تعبر عن أن الكثافة السكانية وتنوعها يخلق فرصاً ودعماً للنسيج السكاني للبحرين.

الجناح مصنوع من مادة الألمنيوم وعبارة عن مبنى سقفه محمول بـ126 عاموداً على شكل إبر تحكي الواحدة منها قصة شعب قائم على التعددية والتنوع إن أزلت عاموداً منه سقط السقف معبراً عن نسيج المجتمع البحريني التكاملي، واختارت البحرين الألمنيوم لتؤكد أن هذا التنوع وتلك الكثافة دخلا العصر بأداوته وعلى رأسها صناعة الألمنيوم. الجدير بالذكر أن هيئة الثقافة طلبت أن تشتري الألمنيوم لبناء الجناح من ألبا بسعر مخفض على الأقل؛ فهذه مهمة رسمية وطنية، فلم تحصل على التخفيض، وإنما (ما قصروا) ألمنيوم الإمارات أعطوهم سعراً مخفضاً، البحرين طلبت سعراً مخفضاً لموظفيها الذين سيتنقلون بين البحرين ودبي طيلة الستة أشهر لتأدية وظيفتهم هناك من طيران الخليج فلم يحصلوا، لكن الإمارات وفرت سكناً على الأقل للمتطوعين ودفعت تمكين تكاليف 60 متطوعاً سيحضر منهم عشرة كل شهر يتدربون ويتعلمون ويساعدون.

كل الدول سخرت إمكاناتها مجتمعة لخدمة صورتها وسمعتها دولياً في إكسبو فلا توجد مؤسسة لم تساهم في إكمال الناقص وما يحتاجه فريق دولته؛ فهذه فرصة تسويقية لمخاطبة العالم، لكن البحرين -كالعادة- بعضهم يحارب بعضاً، وبالمناسبة تكلفة جناح البحرين 4 ملايين وتكلفة جناح السعودية 60 مليون فقط للمقارنة، ما علينا .. نعود إلى موضوع الجناح .. هذه كانت فكرة التصميم المتلزمة بشعار الإكسبو والمترجمة له.

للآلئ البحرينية نصيب من صورة العراقة البحرينية، كما هو النسيج والفخار إنما لما يقدم أي منهم دون إثبات مدى تطوره ومواكبته للحداثة، فمختبر «دانات» لفحص اللؤلؤ مشارك يحكي قصة عمرها يقارب مائة عام منذ منع دخول اللؤلؤ المزروع للبحرين عام 1927، ونسيجها أصبح يلون خيوطه من طحالب البحر والحناء بعد معالجته، وفخارها تم تحسين نوعيته وإضافة اللمسات العصرية له، ليكون «صنع في البحرين» معبراً عن تنوعه وكثافته واستدامته وهكذا كان الطعام أكلات بحرينية شعبية أضيفت إليها النكهة العصرية فينعشك (ماهيتو) اللومي الأسود، ومقاعد المقهى البحريني المصنوعة من الألمنيوم على شكل (التيله) أيضاً مزيج بين التراث والحداثة، في النهاية كان الجناح جامعاً بذكاء بين كثافة وتنوع واستدامة العناصر البحرينية كما هو مطلوب تماماً.

أما جوهرة الجناح فهم شبابنا الجميل المتحمس وكثير منهم جنود مجهولون لا يعرف عنهم أحد، الأضواء بعيدة عنهم، لكنهم يصلون الليل بالنهار كي لا يساء للبحرين كما يفعل البعض منا، وكي لا يقال عنها إلا كلمات الإعجاب، وهذا ما يحصلون عليه من كل من يدخل الجناح ويحدثهم، قد لا يكونون لاعبين لكرة القدم، قد لا يكونون من الفئات التي تحظى دائماً بالاهتمام والتكريم، إنما يكفيهم أن يتأنى من يزورهم ويأخذ وقته ويستمتع بعرضهم مقدراً لهم جهدهم وتعبهم في حمل اسم البحرين.

أخيراً

لدينا منصات كثيرة نعرض بها تراث وحضارة وذائقة البحرينيين وكلها جميلة، إنما حين نتوجه لمخاطبة العالم فلكل مقام مقال، فإن أردت أن يستمع لك العالم تحدث بلغة يفهمها واعرف كيف تجذب سمعه وتحظى باهتمامه.