حسن الستري




محمد بن مبارك وبّخني حين فكرت بـ«الاستقالة»

تركت جامعة البصرة إثر محاولات جعلي شيوعياً

علاقتنا مع إيران كانت جيدة.. وسفارتنا بها قبل واشنطن

«ضحكوا عليّ» بـ«الخارجية» لأنني طلبت سفارة واشنطن


«اجتهدوا وثابروا واعملوا بإتقان لتصلوا لأعلى المراتب، اقرؤوا كثيرا، المهنة الدبلوماسية ممتعة وخدمة وطنية لوطنك وأبناء وطنك بالبحرين وخارجها، الدبلوماسية تضحية للوطن»، بهذه الكلمات اختصر السفير الممتاز وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية السابق كريم الشكر خبرته الدبلوماسية العريضة، مقدما نصيحته لأبنائه الدبلوماسيين، معتزا بالسفراء الذين تتلمذوا على يديه، بل بالذين تتلمذوا على يد تلامذته.

«الوطن» التقت الشكر بعد أكثر من 6 سنوات من التقاعد من عمل استمر 46 عاما بوزارة الخارجية، عمل خلالها سفيرا مقيما وغير مقيم في العديد من الدول، شهد خلالها العديد من المراحل، منها نهاية الانتداب البريطاني على البحرين، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت، ووجود المعارضة البحرينية بالخارج، ليقدم مختصرا من هذه السيرة:

حدثنا عن نشأتك؟

ولدت في فريج الحطب، وكانت عائلتنا من الصفافير، ولكن بسبب منظر جدي أتت تسمية الشكر، وحين صار عمري 3 سنوات انتقلنا إلى فريق المخارقة.

درست في المدرسة الشرقية الابتدائية بشارع الشيخ عبدالله وكانت تحضيرية للفصول الابتدائية، وبعدها انتقلت إلى المدرسة الغربية التي تسمى الآن مدرسة أبو بكر الصديق واستمررت فيها إلى أن انتقلت إلى المدرسة الثانوية وكانت يومها في البلاد القديم. وتخرجت عام 1965 من الثانوية العامة وكنت الخامس على البحرين.

حدثنا عن الدراسة الجامعية؟

- ذهبت متأخرا إلى بغداد ولم أقبل بجامعتها وقبلت في جامعة البصرة، وكان الشيوعيون مسيطرين عليها ويريدون مني أن أصبح شيوعيا، وامتنعت، وبإجازة نصف العام، ذهبت إلى بغداد لأعود للبحرين، ورأيت علم الهند بمنطقة الهند، وقدمت شهادتي إلى الملحق الثقافي، وذكروا لي أن الدراسة بالهند بدأت، فقلت لأجرب حظي.

عدت للبحرين وذهبت للهند مع المرحومين نبيل قمبر وعادل العياضي، وقالوا لنا إنه يمكن قبولكم بالسنة اللاحقة، وأشار علينا أحدهم بالالتحاق لدورة للطلبة الأجانب لتعلم اللغة الإنجليزية للتمهيد لدخول الجامعة، وانضممنا إلى الجامعة كطلبة مستمعين، وبالسنة التالية انضممنا إلى الجامعة ودرسنا بها حتى تخرجنا عام 1970.

ما السبب الذي دفعك لاختيار تخصص العلوم السياسية؟

- في البداية درست الاقتصاد، وكان عندي ضعف في الرياضيات وتحديداَ الإحصاء، فنصحني المعلمون بتغيير التخصص، فدرست العلوم السياسية.

لماذا اتجهتم لدراسة العلوم السياسية في وقت لا توجد فيه وزارة خارجية وسفارات للبحرين بالخارج؟

- شغفا بالسياسة، وتخرجنا مع زميلي، وجئنا للبحرين ويومها أنشئت دائرة العلوم السياسية بالبحرين، وقدمنا أوراقنا للحصول على قبول في وزارة الخارجية، وخضعنا لامتحان تحريري وشفوي، وكانوا يريدون توظيف اثنين فقط، وكانوا يريدون استبعادي، ولكني كنت أحصل على أفضل العلامات الشفوية والتحريرية، وعرض الموضوع على سمو الشيخ محمد بن مبارك، فقال لنقبلهم ثلاثتهم، وكان ذلك عام 1970.

واستوعبنا جميع مراحل التدريب المطلوبة باللغتين الإنجليزية والعربية من كتابة تقارير وترجمة المقالات، وخصوصا المتعلقة بالاتحاد التساعي لدول الخليج، المتكون من الإمارات السبع وقطر والبحرين.

كان هناك محاولات لإقصاء البحرين من الاتحاد التساعي، تعللا بأن الشاه يطالب بالبحرين باعتبارها الولاية التاسعة عشرة، وفي غضون تلك المدة، تم الاتفاق على أن تقوم الأمم المتحدة باستطلاع آراء شعب البحرين في مصيره ومستقبله السياسي.

وآثبت شعب البحرين تآزره ووحدته حين اختار أن تكون البحرين جزءا من الأمة العربية بأغلبية عظمى، وصودق على القرار من مجلس الأمن، ووافقت عليه بريطانيا والبحرين، وصودق عليه من البرلمان الإيراني أيضا.

تغير وضع المفاوض البحريني من كان يقبل بالشروط التعجيزية لقبوله عضواً بالاتحاد التساعي، والبحرين يومها كانت ترغب بالانضمام لكي لا تكون وحيدة وتستغل إيران الوضع، وانتهت الوساطة الكويتية السعودية لقيام الاتحاد بالفشل، وأعلنت البحرين استقلالها عام 1971، وانضمت إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة في سبتمبر 1971، ومن هنا بدأت السياسة الخارجية تأخذ دورها، فانضمت إلى مؤتمر العمل الإسلامي وحركة عدم الانحياز وغيرها من المنظمات الدولية.

حدثنا عن بدايات تأسيس وزارة الخارجية؟

حين انضممنا إلى وزارة الخارجية كان بها سمو الشيخ محمد بن مبارك، وأول موظف تم توظيفه هو غازي القصيبي، وأتى الشيخ بعلي المحروس من وزارة التربية والشيخ عبدالرحمن بن فارس آل خليفة من مجلس الدولة، وكانت هناك السيدة ليلى خلف، وسلمان الصفار، و الدكتور حسين محمد البحارنة مستشاراً لدائرة الخارجية أيام مجلس الدولة، كنا أعدادا محدودة تعد على الأصابع، وكان سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة مديرا لدائرة الإعلام وكنا نستعين بالكوادر الإعلامية، وطلبنا موظفين أكفاء من مختلف وزارات الدولة، وجيء بثلاثة موظفين من إدارة الجوازات يومها للقيام بالشؤون القنصلية.

بدأنا بفتح السفارات، أول سفارة كانت بالقاهرة وكان سفيرها تقي البحارنة، والثانية في نيويورك، والثالثة في لندن.

طلبني سفيرنا في لندن أكثر من مرة، وتقي البحارنة للذهاب للقاهرة أيضا، ولم يوافق سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، فاعتقدت أن هناك شيئاً ضدي بالوزارة، فكرت بالاستقالة من وزارة الخارجية، وأخبرت علي المحروس بالأمر، ونقله إلى سمو الشيخ محمد، الذي بدوره ناداني ووبخني بقوله: «أنا خاطرت عشانك، أفكر لك بموقع أهم»، بعد بضعة أشهر طلب مني الذهاب لنيويورك في بعثة الأمم المتحدة. تأثرت بسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة و الدكتور حسين البحارنة الذي كان يحثني على ترجمة المقالات من الإنجليزية مما ساعدني على تقوية لغتي، وفي ما بعد سلمان الصفار حين ذهبت إلى نيويورك وكتابة التقارير الفنية.

ما هي أبرز المواقف التي حصلت لك بنيويورك؟

محطة نيويورك محطة تحدٍّ وتعليم ومخاضا لتجربة مريرة، السفير سلمان الصفار كان يركز علي لحضور الاجتماعات، وضمني لعدة لجان وجعلني أتعرف على أغلب المشاكل، واكتسبت خلالها خبرة كثيرة.

يومها لم تكن لدينا أي مشاكل مع أي دولة، هل تصدق أننا افتتحنا سفارتنا في طهران قبل واشنطن، وأول خطاب ألقيته عن القضية الفلسطينية وثاني خطاب عن التفرقة العنصرية بجنوب إفريقيا، وأتيحت لي الفرصة لأن أبدا بالكتابة والدراسة.

كانت تجربة ثرية وذات مردود نفسي وشخصي لي، من حيث استيعابي للقضايا الدولية التي تهم العالم، وكان سفراء الدول من كبار الشخصيات السياسية وبعضهم كانوا وزراء سابقين، وكل القضايا كانت مطروحة في الأمم المتحدة.

بعد خمس سنوات ونصف، تم تخصيص قسم للمنظمات الدولية وكنت أنا رئيسه، وعرض علي أثناء تلك الفترة أن أكون قنصلا في كندا، فرفضت، وقلت لهم واشنطن بلا سفير، ابعثوني لها، فضحكوا علي، وقالوا هذا مغرور، وأصبحت مهزلة في وزارة الخارجية.

وكان النواب الإيرانيون يطالبون بضم البحرين إلى السيادة الإيرانية، وهذا ما عقّد العلاقات، وقطعت العلاقات، وعاد السفير حسين الصباغ، وأرسلوه بعدها إلى نيويورك عام 1982، وحينها ذهبت إلى غازي القصيبي عارضا استقالتي باعتباري كنت المؤهل الوحيد لسفارة نيويورك إذ إنني خدمت فيها، وحينها فكروا في إنشاء بعثة دائمة للبحرين في جنيف وأرسلوني لها.

كنت سفيرا مقيماً في سويسرا وغير مقيم في ألمانيا والنمسا، أليست ألمانيا أهم من سويسرا في ذلك الوقت؟

لأن سويسرا بها قضايا حقوق الإنسان وكل الأمور المتعلقة بالوكالات المتخصصة، منظمات العمل الدولية والصحة العالمية والتنمية والتجارة العالمية، كل هذه المنظمات غير ممثلين فيها، ونقوم بتمثيلها من الوزارة مما يشكل عبئاً علينا، إذ كنا نواجه نقصا في المعلومات ونستعين بسفيرنا بالكويت. ذهبت إلى جنيف، وأنشانا سفارة ودخلنا في الاجتماعات، وكنا نمثل الوزارات في تلك الاجتماعات.

حين كنت سفيرا بالأمم المتحدة شهدتم أصعب مرحلة تتمثل في غزو الكويت، حدثنا عنها؟

ذهبت إلى نيويورك، واستعدت الجانب السياسي بعد أن كنت مركزاً على الجانب الإنساني والاقتصادي، وقبل غزو الكويت تم نقلي سفيرا إلى لندن، وأجريت عملية في أذني، وتم منعي من السفر بالطائرة، فجرى الغزو، وجاء السفير محمد عبدالغفار وما زلت بنيويورك، وسلمته الأمور، وكان السفراء العرب يجرون لي ولائم توديعية بمناسبة انتهاء فترة عملي.

ليلة الغزو كنا مدعوين عند سفير قطر بمعية السفير الكويتي محمد أبوالحسن، اتصل بي صديقي من وكالة رويترز وأخبرني بأن القوات العراقية دخلت الكويت، فذكرت له أنني كنت مع السفير ولم نسمع شيئا كما الأخبار بأن المباحثات الكويتية العراقية جيدة، أخبرت السفير فقال لي إن الخبر كذب، وبعد نصف ساعة اتصل نائب مندوب مصر محمد نعمان جلال ليستفسر أيضا، وذهبنا سوياً للعشاء في مطعم، وسألتني ابنتي الكبرى إلى أين أنتم ذاهبون، فأخبرتها بأننا ذاهبون إلى المطعم الفلاني. طلبنا العشاء، وإذا بالجرسون يأتينا ويسأل من منكم السفير محمد أبو الحسن، فقالوا له إن هناك اتصالاً مهما من الخارج، فذهب، وعاد ليخبرنا بأن العراق دخلت الكويت، ولا بد من أن أذهب لطلب عقد مجلس الأمن فورياً.

انعقد مجلس الأمن وتكلم السفير الكويتي وبعده القائم بأعمال سفارة العراق الذي كان ضعيفاً، وبعده الأمريكي والبريطاني، وقال إن العدوان العراقي وقع على الكويت، وحين طلبت الكويت بحث الموضوع بالجمعية العامة للأمم المتحدة غيرت الاسم إلى العدوان العراقي، هذه الخبرة التي حزت عليها كانت من تشجيع السفير سلمان الصفار.

حدثنا عن مرحلة لندن؟

جئت إلى لندن وكان فكري مشوشاً بطبيعة الأوضاع بالكويت، وذهبنا لزيارة السفير الكويتي غازي الريس الذي كان سفيراً بالبحرين من قبل، وأخبرته أننا معكم قلبا وقالباً والبعثة كلها تحت طلبكم.

باليوم التالي رد الزيارة وطلب مني 50 ألف جنيه إسترليني والسفارة يومها لم يكن بها هذا المبلغ، وكان الطلب بسبب أن الدول جمدت حسابات الكويت والعراق بالخارج إثر قرار صدر من مجلس الأمن، واتصلت بوزير الخارجية وقتها سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وتم تحويل المبلغ باليوم التالي، وسلمته للسفير الكويتي، وأعاد لنا المبلغ بعد رفع الحصار عن حسابات السفارات الكويتية.

حدثنا عن مجلس إدارة البحرين للترويج والتسويق؟

- عينت فيه كممثل عن وزارة الخارجية للترويج للبحرين عبر السفارات بالخارج، فلحنا في بعض المجالات، وفشلنا في أخرى، قمنا بالترويج للبحرين إلى أن انتهى دورنا بإنشاء مجلس التنمية الاقتصادية.

لننتقل إلى مرحلة الصين.

بعد رجوعي من لندن أصبحت مدير الشؤون السياسية، وقمنا بدور مهم في ذلك الوقت وشكلت لجنة من خيرة مفكري الدول العربية والوزارات الخارجية تتبع الجامعة العربية، وكنت عضوا فيها.

حتى حدثت حادثة 11 سبتمبر، وتم تعيين محمد عبدالغفار وزيرا للخارجية، وأسندت له مهمة توزيع السفراء، فطلب مني الذهاب إلى تونس، فقلت له لم أذهب لدولة عربية، وبناتي يدرسن بالمدارس الأمريكية، والمتبقي لهن سنتان على التخرج، فطلبت الذهاب إلى الصين باعتبار أن هناك مدرسة أمريكية، أو إلى روسيا، وعرض الموضوع على المترشح إلى الصين، فوافق على التبادل، وذهبت إلى الصين رغم أن البدل الدبلوماسي لها أقل من تونس، وذلك من أجل ابنتي.

كنت سفيراً غير مقيم في عدة دول، كيف تقيم هذه التجربة؟

- هي تجربة مفيدة ولكن مرهقة، أنت موكل بسفارة معينة وتتابع أخرى، لا تستطيع القيام بالكفاءة المطلوبة، كنت أذهب لألمانيا شهريا بسبب صفقات السلاح، مع إيرلندا وكانت العلاقة صحية أكثر، وقدمنا كراسي لدراسة الطب في إيرلندا.

علاقتنا مع ماليزيا كانت ممتازة أيام مهاتير محمد، ووقعت اتفاقية للبحث عن النفط بالبحرين، وكذلك علاقتنا مع سنغافورة مميزة، بسبب تماثل البلدين من حيث الحجم ودولة جزرية وكنا تابعين لبريطانيا، وفكرة مجلس التنمية الاقتصادية جاءت من سنغافورة، وكذلك كانت العلاقات وثيقة مع تايلند

لما عدت من الصين، التقيت مع وزير الخارجية الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، وتم تعيين مكتب لي، وقالوا لي إن الشيخ خالد «سيعطيك مكتبه الغالي عليه»، وهو مكتبه حين كان وكيل وزارة الخارجية، ولم يستخدمه أحد بعدها.

بعدها جاءت اجتماعات حوار الحضارات، ولم يتم تسمية ممثل البحرين في حوار الحضارات، تم اقتراح اسمي، وحضرت الاجتماعات المختلفة، ثم تم إعادة هيكلة وزارة الخارجية، واستحداث منصبي وكيل للشؤون الدولية ووكيل لمجلس التعاون والشؤون الإقليمية، فتم تعييني بالمنصب الأول وتعيين حمد العامر بالمنصب الثاني.

مثلنا البحرين بالمؤتمرات، وكانت لدينا مواجهات مع إيران، خاصة مع السفير الإيراني وزير الخارجية الحالي، ونجحنا بالتعاون مع دول الخليج الأخرى في صد الهجمات الإيرانية وتحقيق المكانة المرموقة، حتى حان موعد الرحيل بعد مرور 46 عاما من العمل.

ما هي حياتك بعد التقاعد؟

- حياتي بعد التقاعد بين أهلي وبناتي وأسباطي، لا مشاكل سوى «كورونا» التي حدت من التقابل الاجتماعي، افتقدنا كثيرا من المجالس اليومية والرمضانية.

ما هي هواياتك؟

- امتلك مكتبة قرأت كتبا وأعدت قراءتها، كنت أحب الرحلات ولكن بعد التقاعد لم تعد لدي رغبة للسفر.