يعد قطاع الفضاء من القطاعات المحفزة للابتكار، فقد بُني هذا القطاع على الابتكار والتطور التكنولوجي للحصول على حلول مبتكرة تمكن الإنسان من الوصول إلى الفضاء وتسمح لتجهيزاته بالعمل بكفاءة في مناخ الفضاء المعروف بالقسوة الشديدة؛ فالدخول إلى مجال الفضاء واستكشافه أدى إلى توسع التقنيات والمعرفة العلمية وتطور التكنولوجيا في الأرض ولا يخفى على الجميع المنافع المتعددة من الاستثمار الهائل الذي تم لاستكشاف الفضاء، حيث أدى إلى ابتكارات متعددة وتطوير تقنيات عديدة مثل الهواتف المحمولة، وصناعة العدسات والكاميرات، والأطراف الصناعية، وتقنين استخدامات مصادر الطاقة، والتوسع في مجال الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة، والكثير غيرها.

الابتكار يترجم المعرفة العلمية والتقنية إلى تطبيقات ناجحة للعمليات والمنتجات والخدمات ويساعد على تحريك حدود استكشاف الإنسان ومن ذلك التوجه لاستخدامات الفضاء الخارجي لخدمة البشرية. وهذا الابتكار المستمد من مساعي استكشاف الفضاء أصبح محركاً رئيسياً للتطور العلمي والتقني، كما ساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتقدم الصناعي على الأرض، ما دعم نمو المجتمعات وخلق فرص العمل ذات العوائد المجزية وساهم في تكون كيانات اقتصادية مصدرها ريادة الأعمال في قطاع الفضاء. والابتكار لا يقتصر على المجالات التقنية، بل يتطلب توافر نماذج أعمال جديدة وجيدة، كما يتطلب وجود أدوات قانونية ومبادئ توجيهية وتوضيحات أو قواعد تشغيل لمواجهة التحديات واغتنام الفرص وتوفير فرص جديدة لخلق قيمة اجتماعية واقتصادية.

إن من المثبت اليوم أن استكشاف الفضاء يدعم بشكل كبير الابتكار والازدهار الاقتصادي من خلال تحفيز التقدم في العلوم والتكنولوجيا، فضلاً على تحفيز العلماء والمهندسين والعاملين في قطاع العلوم والتكنولوجيا العالميين وبالتالي توسيع مجال النشاط الاقتصادي العالمي. حيث يُعد استكشاف الفضاء والابتكار محركين أساسيين لفتح مجالات جديدة في علوم وتكنولوجيا الفضاء، فهما يسهمان في خلق شركات جديدة وتطور القدرات التي تسهم بدورها في خلق فرص جديدة لمواجهة التحديات العالمية. ويحفز مجال الفضاء الشباب على مواصلة التعليم والتوظيف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) التي تعتبر عماداً من أعمدة التطور والتنمية.



تُعد التقنيات الفضائية اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية مثل الكهرباء، ومعظمنا لا يميز التقنيات التي نستخدمها في حياتنا والتي كانت نتاج قطاع الفضاء، مثل الدفع بالبطاقة الذكية وحتى اللعب في لعبة بوكيمون التي تستخدم شبكات الأقمار الصناعية لنقل البيانات أو الحصول على إشارة تحديد المواقع. فأصبحت تقنيات الفضاء تُستخدم في شتى المجالات مثل الزراعة إذ أصبح المزارعون في عدد من الدول يستخدمون تكنولوجيا الفضاء في عملياتهم من خلال استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الجرارات، وهذا أدى إلى رفع الكفاءة بشكل كبير وملحوظ في العملية الزراعية من بدايتها إلى ري المحاصيل وجمع الثمار وتوزيعها. وهناك أيضاً العديد من الاستخدامات غير المباشرة للابتكارات وتكنولوجيات الفضاء تُستخدم اليوم، مثل تقنيات المسح التي تم تطويرها للعثور على مكان هبوط آمن على القمر ساهمت في تزويدنا بأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والماسحات الضوئية المقطعية (CAT Scanners)، وتطورت أجهزة القلب المصممة لرواد الفضاء إلى بعض أجهزة مراقبة القلب المستخدمة اليوم في المستشفيات حول العالم.

ومن التقنيات التي ساهمت في رفع سقف الابتكار والتطور ثورة الأقمار الصناعية المصغرة أو المكعبة (CubeSat)، وهي عبارة عن أقمار صناعية صغيرة تبدأ من وحدة واحدة لا يزيد وزنها عن 1.3كجم في مكعب بحجم 10 سم، ويمكن زيادتها إلى عشرات الوحدات بحسب الحاجة. وهذه الأقمار أصبحت من العوامل الرائدة للابتكارات الحالية في هذا المجال بناءً على تحليل طلبات براءات الاختراع والتحليل البيبليومتري للبحوث العلمية والتكنولوجيا المنشورة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويشمل المصادر الأخرى للابتكار الأقمار الصناعية النانوية، ونظام الدفع الكهربائي للأقمار الصناعية، والتقنيات التي يعاد استخدامها للقاذفات (وحدات الإطلاق)، وتطبيقات نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية.

وبراءات الاختراع الأخيرة من قبل الشركات أسهمت في زيادة البحوث العلمية المنشورة في مجالات أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، والخدمات العديدة القائمة على المواقع الجغرافية والوقت، وهذا دليل على أن كثيراً من الابتكارات تحدث اليوم في مجال وأنشطة الفضاء، وهذا الانتشار المتزايد في التطبيقات القائمة على المواقع الجغرافية لن يكون ممكناً من دون البيانات الفضائية، ما يؤكد أهمية قطاع الفضاء واستكشافه. ومن المتوقع أن تستمر الدورة الخامسة لقطاع الفضاء 15 سنة وهذه الدورة كانت مدفوعة من الابتكارات الكثيرة التي شهدها قطاع الفضاء في السنين الأخيرة وستتميز بالاستخدامات المتزايدة لمخرجات البنية التحتية للأقمار الصناعية (الإشارات والبيانات) لمواجهة التحديات المجتمعية، مثل المساهمة في التخفيف من تغير المناخ من خلال مراقبة الأرض عن طريق الأقمار الصناعية العالمية أو المساعدة في سد الفجوة الرقمية من خلال توفير شبكات الإنترنت للمناطق النائية دون الحاجة إلى بناء بنية تحتية باهظة الثمن. إضافة إلى ذلك، سترتفع منتجات السوق الشامل المبتكرة، ومن المتوقع أيضاً أن تشهد أجيالاً جديدة من المحطات الفضائية المدارية والأقمار الصناعية الذكية وقاذفات (وحدات إطلاق) فضاء جديدة.

زيادة الوعي باستكشاف الفضاء والابتكار كمحركات أساسية لفتح مجالات جديدة في علوم وتكنولوجيا الفضاء يسهم في إطلاق شركات جديدة وتطوير القدرات التي تخلق فرصاً جديدة لمواجهة التحديات العالمية. ومع زيادة معرفة فوائد استكشاف الفضاء والابتكار، يتزايد اهتمام عدد أكبر من البلدان والهيئات غير الحكومية والشركات بالمشاركة في الاستكشاف والابتكار.

واليوم يفسح الابتكار في الفضاء مجالاً واسعاً من التعاون بين الدول، والمنظمات الحكومية الدولية، ووكالات الفضاء، والصناعة، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات التعليمية، والأكاديمية، والمجتمع. ويُعد التعاون في مجال الابتكار ونشر المعرفة بين البلدان المتقدمة والنامية قنوات مثالية لتعزيز الأهداف العامة للتنمية المستدامة واستكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه في الأغراض السلمية. وقد أدى الإقبال الكبير من الشركات والأفراد لدخول قطاع الفضاء إلى دفع الابتكارات الفريدة في البنية التحتية الفضائية إلى مستويات جديدة أكثر تقدماً، وتعمل هذه التقنيات معاً على تشجيع الإبداع لما سيصبح ممكناً للبشرية.

* مهندسة فضاء