جسد يوم أمس ملحمة تاريخية جديدة سطرها البحرينيون بأيديهم، خاصة مع تعدد وتنوع صور التلاحم الوطني والمجتمعي التي أبداها المصلون أثناء أداء شعيرة صلاة الجمعة المشتركة في مسجد عالي الكبير.
وعبر المواطنون بكل طوائفهم وشرائحهم ومستوياتهم في رسالة بحرينية واضحة لكل من يعنيه الأمر بأن هذا الوطن سيظل عصيا أمام كل من يحاول أن يعبث بأمنه ومقومات قوته أو يقوض من أركان ودعائم استقراره وتكاتف شعبه وأواصر تماسكه ولُحمته.
ولم يكن غريبا أن يقف البحرينيون صفا واحدا أمام تلك الدعوات الخبيثة التي سعت وما زالت تسعى لجر البلاد إلى أتون الفتنة التي مست دولا أخرى، وما زالت تعاني منها، ولم تجد طريقا للقضاء عليها، ضاربين بتلاحمهم الشعبي مثلا حيا لما يمكن أن تقوم به الشعوب الواعية الواثقة في وجه التهديدات والمخاطر التي تحدق بها.
لقد برهن البحرينيون كالعهد بهم دوما، وبخاصة يوم أمس، أمام أنفسهم أولا، وقبل أي شيء آخر، أنهم على وعي تام بحجم المؤامرات التي تحاك ضدهم، وضد وطنهم، والتي تحاول النيل من المكتسبات التي حققوها طوال تاريخهم الحديث بفضل ما أظهروه من تضامن وتماسك مجتمعي ضرب أروع الأمثلة في تاريخ الشعوب المعاصرة.
والمتابع لما بثته وكالات الأنباء الإقليمية والعالمية وما تناقلته من تقارير وصور للمواطنين وهم يصلون تلك الصلاة المشتركة دون تمييز بين مواطن وأخيه، ويخرجون معا إلى الطرقات متشابكي الأيدي متضامنين في وجه محاولات بث الفرقة والتشرذم بدعاوى لم ينزل بها سلطانا..
المتابع لهذه الصور وعلى كثرتها، يخلص إلى حقيقة مهمة مفادها أن الانتماء لأرض هذا الوطن الكريم وحبه والدفاع عنه وحمايته والولاء لقادته أكبر من أن تهدده دعاوى قد تتردد هنا وهناك، مستغلة خيرية وطيبة أبناء هذا الوطن الكريم والمبادئ السمحة للشرائع السماوية والعقائد لتحقيق مآرب خاصة، تلك الدعاوى التي وجدت ضالتها لدى البعض من المغرر بهم في محيط جغرافي ساخن، وتدثرت برداء الدين، والدين منها براء..
وفي الحقيقة، شكلت المشاهد المتعددة التي اطلع عليها الرأي العام العالمي قبل المحلي، ونشرتها الصحف وأذاعتها الفضائيات، شكلت دليلا آخر متجددا على أن مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، ستظل وفية لتراثها الشعبي الخالد الذي يجد فيه كل بحريني متسعا رحبا ليعيش ويعمل بجانب غيره، مهموم بهمَّ أبناء جلدته، وكل من يحيا فوق هذه الأرض، التي لم تفرق يوما فيما بين مواطن أو آخر أو بينه وبين أي مقيم أو وافد
وإذا كانت هناك من كلمات يمكن أن تعبر عن دلالات الحالة التي جسدها البحرينيون يوم أمس، ومن المؤكد أن تبقى انعكاساتها مستقبلا، تدوم إلى أبد الآبدين وتقود البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة وشعبها إلى ركب الشعوب المتحضرة، فإنه لا يسعنا سوى القول:
ـ أن البحرين تثبت يوما بعد الآخر أنها لن تكون أبدا بمشيئة الله تعالى لقمة سائغة في أيدي فئة تحاول تبديل مسار مبادئ الشريعة الحنيفية السمحاء وتجييرها لصالح رؤاها الضيقة التي تسببت في إحداث نزيف جار في مقدرات الأمة بأسرها، وأن المملكة ستبقى دائما وأبدا على استعداد لأن تتحمل أية تبعات ما دام ذلك لن يؤثر على حاضرها أو مستقبلها..
ـ وأن هناك رجال في هذا الوطن يضحون بالغالي والنفيس من أجل حماية هذا البلد والزود عن القاطنين فيه، وأن البحرينيين قادرون دوما على تقديم أروع الأمثلة في أداء الواجب الوطني، في إشارة إلى الدور الكبير الذي قامت به الأجهزة المختلفة من أجل قيام المصلين والمواطنين بأداء شعائرهم الدينية ومطالب حياتهم بالطمأنينة والسكينة المطلوبة.
ـ وأن شعبا واعيا بمسؤولياته مدركا لأدواره الوطنية الجليلة يتقدمهم قيادته الحكيمة، سيضرب أية مساعي أو خطط أو مؤامرات تحاول جره إلى ذلك المستنقع الآسن من الفتن الذي وقعت فيه دول أخرى، ولم تستطع إلى الآن أن تنجو منها دون أن تأكل الأخضر واليابس بها وبعد أن تتركها جثة هامدة لهؤلاء المخربين الذين يقتاتون على الخراب والدماء.