تسعى السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تنويع مصادر الحصول على الطاقة وعدم الاعتماد على الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي للحصول على الطاقة الكهربائية.
وترى الحكومة السعودية في استخدام الطاقة النووية الحل الأمثل لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وفي هذا الإطار تخطط المملكة لبناء نحو 16 مفاعلا نوويا للطاقة السلمية بتكلفة تصل إلى 80 مليار دولار حتى عام 2040.
تًوجُه المملكة إلى استخدام الطاقة النووية أو الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء سوف يؤدي في رأي العديد من الخبراء إلى تحقيق وفرات اقتصادية تصل إلى 200 مليار ريال سنويا منها 150 مليار ريال كانت تذهب كمعونة لتوليد الكهرباء، حيث تشير الأرقام الصادرة عن وزارتي البترول والكهرباء إلى أن المملكة تستهلك نحو مليوني برميل يوميا لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر.

مخاطر على المدى البعيد

ويؤكد المهندس علي بن صالح البراك الرئيس التنفيذي السابق لشركة الكهرباء السعودية، على أن الاعتماد على الوقود الأحفوري لفترات طويلة لتوليد الطاقة يتضمن مخاطر على المدى البعيد من خلال زيادة استهلاك النفط مما يؤثر على قدرات المملكة التصديرية.
ويضيف أن استهلاك المملكة من الكهرباء تصل في الوقت الحالي إلى 60 ألف ميغاوات يرتفع إلى 100 ألف ميغاوات بحلول عام 2040 وهذا يعني ضرورة إضافة 40 ألف ميغاوات خلال أقل من 15 عاماً، ومن المخطط أن تساهم المحطات النووية المزمع انشائها في توفير 20 بالمئة من الطاقة الكهربائية المولدة خلال هذه الفترة.
ويشير المهندس علي بن صالح البراك، إلى أن القطاع الخاص سيكون له دوراً متزايداً خلال الفترة القادمة في انتاج الكهرباء، حيث توجد قائمة من المشروعات تطرحها الحكومة على القطاع الخاص للاستثمار فيها، يأتي ذلك في ظل قيام القطاع الخاص حاليا بإنتاج نحو 15 ألف ميغاوات من الكهرباء، مؤكداً في الوقت ذاته على عدم وجود مشكلة في تمويل هذه المشروعات لكن المخاوف تأتي من عدم توافر الوقود الخليط من النفط لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية.
ومن وجهة نظر الرئيس التنفيذي السابق لشركة الكهرباء السعودية، فأن القطاع الخاص السعودي سوف يستفيد من المشروعات المستقبلية لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، حيث ستتنوع هذه الاستفادة بدءاً من عمليات الانشاء والمقاولات والتصنيع ومواد البناء حتى القدرة مستقبلاً على بناء وتشغيل محطات للطاقة النوية.

المزايا

لجوء المملكة إلى برنامج سلمي للطاقة النووية بهدف توليد الطاقة الكهربائية سوف يحقق العديد من المزايا للاقتصاد الوطني، يأتي في مقدمة هذه المزايا تزايد فرص العمالة عالية المستوى، وتأسيس الكفاءات التقنية النووية، وتهيئة الشباب السعودي ليصبح متمكناً في استخدامات الطاقة النووية خلال الأعوام القليلة القادمة.
المزايا التي تعود على الاقتصاد السعودي من وراء تطبيق برنامج للطقة النووية تتضمن أيضا تطوير مجال صناعة للمستقبل، وتطوير الهندسة الذرية والأبحاث الأخرى كالطب، والزراعة، والمعادن، وتحلية المياه.

البحث العلمي

المكاسب التي يمكن للمملكة أن تجنيها من وراء تبني برنامج سلمي للطاقة النووية لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بل تمتد إلى الجانب العلمي، حيث تقوم مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بإعداد دراسة متخصصة لتكوين جهة استشارية ذات غرض خاص بالطقة النووية لتكون جهة ذات ملاءة مالية ووضع قانوني مستقل يناط بها مسؤولية بناء محطات الطاقة النووية في المملكة.
وتهدف مدينة الملك عبد الله من وراء هذه الخطوة، إلى أن تكون هذه الجهة هي الشريك المحلي لمشاريع الطاقة النووية والأبحاث في المملكة، حيث ستصبح أحد أهم أدوات توطين علوم وصناعات الطاقة النووية، والهدف الأكبر الذي تسعى إليه أن تكون نسبة 60 بالمئة من مكونات هذه الصناعة وعقودها الخدمية من السوق المحلية.

مردود كبير

أما الخبير الاقتصادي تركي فدعق عضو لجنة الاستثمار في غرفة الرياض، فيرى أن توجه المملكة لاستخدام الطاقة النووية في الحصول على الطاقة الكهربائية، وأيضا استخدام تلك الطاقة في الاستخدامات الأخرى مثل تحلية المياه المالحة والزراعة والصحة سيكون له مردود كبير على اقتصاد المملكة، حيث سيؤدي لتوفير مئات الآلاف من براميل النفط التي كانت تستهلك محليا في هذه الاستخدامات وله جدوى اقتصادية كبيرة.
ويضيف تركي فدعق أنه من المتعارف عليه أن تكاليف تحلية المياه وإنتاج الكهرباء عالية جداً وبالتالي فأن أي محاولة لاستخدام طرق وسائل أخرى مثل الطاقة المتجددة سوف يحقق وفرات اقتصادية ضخمة للاقتصاد السعودي.

منظومة لإنتاج الطاقة

في المقابل يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي التواتي أستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية إدارة الأعمال بجدة ، على أن المملكة العربية السعودية ليست بحاجة فقط إلى استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بقدر احتياجها إلى منظومة جديدة لتوليد الطاقة تحافظ على الإنتاج المحلي من النفط وتحرر كميات أكثر منه للتصدير إلى الأسواق الخارجية.
ويضيف الدكتور التواتي، أن النجاح في بناء محطات لتحية مياه البحر باستخدام الطاقة النووية يعد انجازاً كبيراً نظراً لفاتورة الكهرباء المرتفعة التي تحتاجها هذه المحطات.
ويؤكد خبراء طاقة على أن قيام المملكة العربية السعودية باستخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر وعلى رغم من ارتفاع تكلفة بناء هذه النوعية من المحطات إلا أنه سوف يساعد على تعاظم دور المملكة في سوق الطاقة العالمي من خلال زيادة التأثير في سوق النفط.
ويشير الخبراء إلى أن برنامج الطاقة النووية السعودي سوف يحرر على الأقل نحو مليوني برميل يوميا لتضاف إلى الكميات التي تصدرها السعودية من النفط الخام للأسواق العالمية الأمر الذي يجعل السعودية اللاعب الأبرز عالميا في سوق الطاقة العالمي.
كما أن تحرير مليوني برميل نفط خام أو أكثر يتيح فرصة كبيرة أمام المصافي السعودية لزيادة معدلات التكرير وإنتاج المشتقات والبتروكيماويات لتغطية الطلب المحلي من هذه المنتجات وزيادة فرص التصدير للأسواق الخارجية.

تعاون دولي

ومن أجل تحقيق برنامج المملكة الطموح لدخول عصر الاستخدام السلمي للطاقة النووية، قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات لبناء محطات للطاقة النووية يأتي في مقدمة هذه الدول روسيا، حيث قام ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الروسية موسكو بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات لبناء عدد من المفاعلات النووية للاستخدامات السلمية في مقدمتها توليد الكهرباء وتحلية المياه.
كما وقعت المملكة مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبية بشأن التعاون في تطوير الطاقة النووية وذلك على هامش زيارة الرئيس الكوري للرياض في شهر أبريل الماضي.
وتتضمن مذكرة التفاهم دعوة الشركات الكورية للمشاركة في تشييد ما لا يقل عن مفاعلين نوويين من الحجم الصغير أو المتوسط في السعودية.
يذكر أن السعودية تطمع إلى امتلاك طاقة نووية قدرها 17 جيجاوات بحلول 2040 وحوالي 41 جيجاوات من الطاقة الشمسية.