كنت في زيارة عمل قصيرة لدولة خليجية شقيقة والتقيت مع مجموعة من الأصدقاء هناك، وقضينا وقتاً ممتعاً في دولة تتطور كل يوم على صعيد البنية التحتية، ويتزامن ذلك مع تطور في بنيتها التشريعية للمحافظة على استدامة النمو، بحيث لا يجد التطور في أحد القطاعات قصوراً تشريعياً يمكن استغلاله من أي أحد، كما أن تفعيل تلك التشريعات يمثل الحلقة الأهم في سلسلة التقدم لجذب الاستثمارات الأجنبية.

ففي إحدى المناسبات التقيت مع صديق اشترى عقاراً في برج سكني، ثم اكتشف الملاك أن المطور العقاري قام بالاستحواذ بطريقة غير قانونية على إدارة البرج وعين أحد معارفه مديراً إدارياً ووظف جميع شركاته للقيام بأعمال الصيانة «تضارب مصالح»، وراح يضاعف فواتير الإصلاحات على السكان «نصب واحتيال»، لإعادة إنتاج مورد كسب آخر له رغم أنه باع معظم الشقق وحصل على مكاسبه المتوقعة وأكثر، وكان من المفترض أن ينتهي الأمر إلى ملاك هذه الشقق بحسب القانون، إلا أنه يأبى الخروج وترك الأمر إلى أصحابه.

فما إن بدأ صديقي في الاستقرار بالشقة حتى ظهر له هذا المطور ليطالبه بدفع رسوم صيانة بتكلفة أضعاف المعقولة في مثل هذه الحالات، وعندما سأله عن قانونية مطالباته في حين أن هذه الأعمال يمكن القيام بها بأسعار أقل بكثير عن طريق شركات أخرى، أخبره أنه رئيس مجلس إدارة اتحاد الملاك ولا يسمح لأي شركة أخرى بالعمل داخل البرج السكني، على الرغم من عدم قيامه بانتخابات رسمية بحسب القانون.

وقام صديقي بالتحقق من هذه المبالغ عن طريق شركات أخرى، وبالفعل تبين له أن هناك فروقات سعرية بأكثر من الضعف، بعدها قام صديقي بالتواصل مع الملاك الآخرين ومن ثم تم إبلاغ الإدارة المسؤولة عن التنظيم العقاري في الدولة بما يتعرض له الملاك من ابتزاز وتلاعب غير قانوني في الفواتير، وعلى الفور تم تشكيل لجنة تحقيق في الواقعة وتعيين أحد الملاك لإدارة البرج وتقديم عطاءات جديدة للصيانة، بينما تم وقف المطور عن ممارسة النشاط وإحالته إلى المحكمة.

الإجراء الفوري الذي اتخذته المؤسسة المسؤولة عن التنظيم العقاري في تلك الدولة حيال هذا المطور المتهور يمثل نجاح تلك الدولة في استقطاب رؤوس الأموال وترويج الاستثمار العقاري فيها، لأن الترويج لا ينحصر في الإعلانات الدعائية أو الأخبار الرسمية التي تصدر عن الحكومة، ولكن أساس الترويج هو المصداقية في الإجراءات وإيجاد الحلول العملية الناجعة في أسرع وقت ممكن، وتفعيل القوانين لكي يشعر المستثمر أن حقوقه لن تضيع، كما أنه درس قاسٍ لمن تسول له نفسه للتلاعب والالتفاف على الأنظمة والقوانين في الدولة.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية